وصلت إليه المدارس التقليدية من ترد فادح، ومن خلال تعريضه بفئات واسعة النفوذ من العلماء والمشايخ والصوفية ومتولي الأوقاف، بل إنه مضى في ذلك ليشمل في نقده فئات اجتماعية لا صلة لها بالعلم، كالانكشارية ومن يدور في فلكهم، كما أنه انتقد أيضا ما سماه (قانون الأتراك) ويعني به ما كان متّبعا، في عهده، من شراء للمناصب العلمية والتدريسية في المدارس ذات الأوقاف الكثيرة.
إن هذا الموقف من المجتمع، والذي لمحنا بعض بداياته لدى السويدي، استمر، بوضوح أكثر، لدى تلامذته، وبخاصة لدى أبنائه من العلماء، من ذلك أن حفيدا له، هو علي بن محمد سعيد (المتوفّى سنة ١٢١٤ هـ/ ١٧٩٩ م) ألف، بعد نصف قرن من وفاة السويدي، كتابا مهما سماه «العقد الثمين في بيان مسائل الدين» حمل فيه بجرأة مشهودة على مظاهر وعادات وتقاليد اجتماعية سكت العلماء المعاصرون عن معالجتها، ودعا فيه صراحة إلى العودة إلى المنابع الأولى للدين، وهجر كثير مما كان سائدا، أو مألوفا، في عهده، من مزاولة للسحر بضروبه، وسكنى المقابر وتقديسها، والاغتسال بالآبار المباركة، وغير ذلك من أمور، كان التعرض إلى أيّ منها كافيا، لإثارة حفيظة فئات اجتماعية واسعة، وليس صعبا أن نلمح أوجه شبه عديدة، وأساسية، بين أفكار كهذه، وما تضمنته كتب السويدي الجد من طروحات وملاحظات. وعلى أية حال، فإن تيارا نقديا كهذا لم يكن ليتوقف، فقد وجد كتاب (العقد الثمين) انتشارا واسعا بين معاصريه، وجاء محمد أمين ابن مؤلفه علي السويدي ليبلور أفكاره، وينضج مواقفه، في شرحه له، الذي عنونه (التوضيح والتبيين لمسائل العقد الثمين) والذي عد نموذجا لفكر إصلاحي أخذت رياحه تعصف بكثير من التقاليد الموروثة في مجال الحياة الفكرية- الاجتماعية في القرن الثالث عشر الهجري (١٩ م) حتى وصف بأنه كتاب «تشد إليه الرواحل وتقطع دونه المنازل» . «١»
1 / 34