141

نفحة الریحانه ورشحه طلاء الحانه

نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة

ولولا وجودُك ما شاقنِي ... كلامٌ يروق وذاتٌ تُحَبْ وعدْتَ بإرسال بعضِ القَريضِ ... فأنجِزْ لأبلُغَ منك الأرَبْ فهذا الربيعُ أتى قائلًا ... خذُوا طرَبًا في أوانِ الطرَبْ فأرسل إليَّ قطعًا من شعره، وكتب معها: مولاي، وصلت الغادة التي بسماعها عربدت الأفكار، وسكرت مذ شامت أسطرَها ولا سُكر بمُصطار. فيا لها من غرِّيدةٍ غرَّدت فصدحَ من سماعها الحمام، وحمامةٍ ورقاء فعلت بنا كما تفعل الرُّوح بالأجسام. سجدت بين يديها البلغاءُ والفصحا، حتى سكر بخمرها المعنوي من لا يشرب وبها صحَا، فهي الدواء للجهَّال والدَّوا، ومعناها المرويُّ والفخر لمن لها روَى. داوت بكلامها الكُلوم، وسارت في مراتبها منازلُ النجوم. أشرقت في آفاق الأفكار وضاءت، وشرَّقت القاصدين عن الوصول بأدمُعِها ففاضت. برزت من كِنِّ حاصل الكمال جوهرةً فريدة، فشهدت بنو الفجر منها وتنهَّدت بدرِّها أبكار الأفكار فهي بها سعيدة. بانت فيها لبانات الأغراض، ميَّادةً يؤْتَمُّ بجوها وتُلغى الأعراض. بائية اكتسبت بصائرُنا صحة الإيضاح في المعاني، ببديع بيانها السَّامي على من يُعاني. تتجلَّى كأنَّها ذكاء نورًا فتكفُّ عن إدراكها العيون، فهي معلومة الذَّات بالصفات مجهولة الكُنه كما قال الفاضلون. خطفت بأشعَّة أنوارها من ظنَّ السَّراب شرابا، وسلبت وكست فتلك عقولًا وهذه أسبابا. فيالها من فاصلةٍ كبرى، وخافضة عن بعدها لخدمتها وِزرا. هذا وقد قلَّدتُها عنُق دهري فطال، ووطئت ممشاها بالعيون وطأة إدلال. فقال كمالها ارفع رَاسا، وتجلَّى جمالًا فأحيَى أنفاسا. فهي السائدة على سُؤدد السيادة، وكأنها لِمُرسلها حُسنى وزيادة. وقد ضاق وُسع هذا الدَّاعي عن هذا المدى، لكنه لحثالة حاله وقلَّة رأس ماله، قام منشدا: صدوحةُ روضِ اللَّهى والطربْ ... ومَغنى الفِصاح وكِنُّ الأدبْ غريدةُ بيتِ ولاءِ الولِيِّ ... نتيجةُ فخرِ لُغاتِ العربْ عن الرَّاح تُغني بحسوِ العقولِ ... فما الخمرُ وصفًا وبِنتُ العِنبْ بدتْ في خِمارِ اللَّهى تنثنِي ... فعربَدَ منها الحِجى واضطرَبْ ولمَّا اسْتقرَّت براح الخَديم ... أراح مُناه وزيحَ النَّصبْ كأنّ أمينَ الوفا قد وفَا ... يُخاصِم دهرًا حليفَ العَتبْ فأبْرز حِلمًا وحُكمًا له ... فهل يُستطاعُ سِوى ما كتَبْ أجَبنا نجيبًا سمَا عصرُه ... بما قال أمرًا وما قد طلبْ فهاك رُوَى عاجزٍ عن مدَى ... وَفاك وعن شأوِ أهلِ الحسَبْ وهذا ما بعث به. فمن ذلك قوله من قصيدة: هذا المفرد في الغزل استجدتُه فأفردته، وهو: وجهٌ إذا قابلَ شمس الضُّحى ... والبدرَ ليلًا فات وقتُ الصَّلاهْ وقوله: ومختَضرٍ أرْثَتْه منِّي ضمائرٌ ... على ظنِّها لم تدرِ في أمرِها السَّببْ فكان كما أرويه حقًّا بلا مِرا ... إلى رحمةِ الله الرحيم هو الأدبْ أرثيتُ لفلان، إذا رفقتَ له. ورثى الميِّت بالشعر، وربما قالوا أرثأته بالشعر، ويعد من غلط البصريين. وأما أرثيتُه، فلم أره. ومن ذلك قوله: بي غادةٌ تُملِي الجوَى ... من شرحِ أسوا مِحنتي ناظرتُها من خاطري ... فأنا الذي وهي التِي فيه إيداع لبيت ابن لؤلؤ الذهبي، وهو: فأنا الذي أُملِي الجَوى من خاطِري ... وهي التي تُملي من الأوراقِ ومن ذلك قوله، من قصيدة، مطلعها: إنَّ أصْلدَ الزِّناد في الأيادي ... ما أصْلدتْ قرائحُ الأكبادِ أورتْ زنائدِي فنونًا قصَّرتْ ... عن نعتِها اللَّهى من الأمجادِ من كلِّ معنًى بالبديع شأوُه ... له رَقَى على بيانِ الشادِي معناه في لطافةِ التركيب والْ ... معنَى كلُطفِ الرُّوحِ في الأجسادِ برَعتُ فيها فاليراعُ خادِمي ... والطِّرس ملكِي والرُّوى أجنادي

1 / 141