نفحة الریحانه ورشحه طلاء الحانه
نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة
إذا فوَّقت سهمَ المنون جفونُه ... لقلبٍ سوى قلبي تمنَّيتُه قلبي
فجاءني يومًا وقد نظم هذا المعنى، وتصرف فيه تصرُّفات شتَّى.
فمنها ما أنشدنيه، وهو قوله:
وراشقٍ لم يطِشْ سهمٌ لمُقلته ... ولم أكنْ عن هواه قطُّ منصرفا
فكلما فوَّقت نَبلًا عرضتُ له ... كيلا يكونَ سوى قلبي له هدفا
ومنها قوله:
ريمٌ تصدَّى للرمايةِ لحظُه ... يُصمي القلوبَ ولا جُناحَ عليهِ
فإذا رمتْ سهما إليّ جفونُه ... جاراه قلبي في المسيرِ إليهِ
ومنها ما قاله مضمنًا:
ومُثبِّتٍ سهمَ نجلاوَيهْ في كبدي ... كأنه الرِّيمُ يعطو نحو مرتِعهِ
يقول قلبي لسهمٍ قد رماه به ... أهلًا لما لم أكن أهلًا لموقعهِ
وأنشدني من لفظه لنفسه:
يا لؤلؤًا أصدافهُ الياقوتُ ... قلبي عليك صبابةً مفتوتُ
لقد ابتسمتَ فلاح منك لناظري ... سِمطٌ بكل ملاحةٍ منعوتُ
أحببْ به سمطًا تناسق درُّه ... فأتى بديعَ النظمِ وهو شتيتُ
يستوقفُ الأبصارَ باهرُ حسنهِ ... فالطَّرفُ في لألائه مبهوتُ
عجبًا له درًّا على ما فيه من ... صِغرٍ له بين الجواهرِ صيتُ
عزَّ الوصولُ إليه يا قلبي فمُتْ ... كمدًا فحارسُ كنزِه هاروتُ
قلت: هذا شعرٌ هاروتُ تلميذ إفادته، وشاعره فتحُ خزائن الجواهر في كفِّ إرادته. وأنشدني قوله:
خلِّ الذنوبَ ولا تهمَّ بفعلِها ... فأخو الذنوبِ طويلةٌ حسراتُهُ
واجْنح إلى التقوى فطُوبى لامرئٍ ... غلبتْ على آحادِهِ عشراتُهُ
وقوله:
حاذِر إذا وافيتَ جرعاءَ الحِمى ... ريمًا هناك من الصِّبا في شرخِهِ
لا يخدعنَّك تحت عطفةِ صُدغِه ... خالٌ فذاك الخالُ حبَّةُ فخِّهِ
تصيَّده من قول بعضهم:
لا غرْوَ أن صادَ الفُؤاد بنظرةٍ ... ريمُ المهَا فله بذاكَ أشايِرُ
في خدِّهِ فخٌّ لعطْفةِ صُدغهِ ... الخالُ حبَّتُه وقلبي الطائِرُ
وأنشدني من لفظه لنفسه، ما هو منه في صيَّاد:
أفْديهِ صياَّدًا تعوَّد في الهوَى ... أخذ القلوب بمكرِه وبكيدِه
كم صادَ قلبًا طارَ نحو جمالِه ... والخالُ تحت الصدغِ آلةُ صيدِهِ
وأنشدني قوله:
أرسلَ فوق الجبينِ طرَّتهُ ... وفوَّق اللَّحظ سهمُه النَّافِذْ
فيا جريح الفؤادِ زِدْ سهرًا ... فليلُه من نهارِه آخِذْ
وأنشدني قوله، معمِّيًا في اسم حيدر:
رأى زيدٌ وعمرٌو وجه من قدْ ... أقام عِذاره في الحبِّ عذرِي
فنكَّس رأسهُ زيدٌ حياءًا ... وولَّى وهو يسحب ذيل عمرِو
أراد بتنكيس رأس زيد عدده الهندي، وذيل عمرو، هو الراء هنا؛ لأن القافية هنا دالَّة على الفرق بينه وبين عمر، وهم ذكروا أن الواو لا تثبت إلا للفرق.
وأنشدني قوله أيضًا:
ذكرتُ له يومًا بمجلِس أُنسِه ... أبا الدُّر ياقوتًا وأطنبتُ في الذِّكْرِ
فقالَ فذا وصفٌ يقومُ بمبسمِي ... فمبسميَ الياقوتُ وهو أبو الدُّرِّ
وقوله منه أيضًا:
يقولُ لي جِيدُه الفضِّيُّ حين زهَا ... بمسكِ خالٍ على ذاك البياضِ نقَطْ
كَنَوا أبا المسكِ كافورًا لقد غلِطُوا ... أنا أبو المسكِ كافورٌ بغير غلَطْ
وأنشدني قوله، وهو معنى أبرزه ولم يسبق إليه، فاستحقَّ به التبريز، وجاء به أنفس من الإبريز:
كفُّوا الملام ولا تعيبُوا زهرةً ... في وجْنتيهِ تلوحُ كالتَّطْريزِ
فالحسنُ لمَّا خطَّ سطر عِذارِه ... ألقَى عليهِ قُراضةَ الإبريزِ
وأنشدني هذه السِّينية السَّنية التي هي أشهى من الأمنيَّة، تفلَّتت من المنيَّة:
خلِّ طيَّ الفَلا لحادِي العيسِ ... وانْفِ همِّي بالقهوة الخندريسِ
طُفْ بها كي ترَى النواظِرُ فيها ... عسجدًا ذاب في لُجيْنِ الكؤوسِ
1 / 127