278

ويقول الله في ذيل الآية : ( كذلك نطبع على قلوب المعتدين )، وهذه إشارة إلى أن الاعتداء والعدوان يترك حجابا في القلب يحول دون معرفة القلب لآيات الله وتمييزه بين الحق والباطل.

إن الطبع الإلهي على القلوب بالاضافة إلى كونه عقابا إلهيا للمعتدين ، كذلك يكون أثرا من آثار الاستمرار في الاعتداء ، والمراد من الاعتداء هنا هو الاعتداء في الساحة الإلهية واستمرار المعصية واقتراف الذنوب ومعاداة الرسل.

إن جملة : ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) إشارة إلى أن بعض الرسل جاءوا أقوامهم فكذبوهم ، ثم أرسل الله إليهم رسلا آخرين مع أدلة واضحة فما آمنوا بهم أيضا ، وذلك لأن عنادهم نسج حاجبا سميكا على عقولهم فأصبحوا لا يفقهون شيئا ولا يعقلون.

ويقول البعض : إن المراد من المكذبين في الآية قوم نوح الذين أغرقوا بالطوفان ، والمراد من القوم الذين لم يؤمنوا الأقوام التي جاءت بعد قوم نوح وقد سلكوا مسلك قوم نوح في الاعتداء على الرسل وتكذيبهم (1).

ويبدو هذا التفسير بعيدا عن الواقع لأنه لازمه اختلاف مرجع الضميرين في ( كذبوا وليؤمنوا )، ولهذا فالافضل هو التفسير الأول.

ويحتمل أن يكون المراد هو : الأقوام التي جاءت بعد نوح والتي قد نقلت لها حقائق عن دعوة الأنبياء السالفين فكذبوا تلك الحقائق ، ثم جاءتهم رسل فكذبوهم كذلك ، وعلى هذا فالتكذيب الأول يتعلق بما نقل وحكي لهم ، والتكذيب الثاني يتعلق بالامور التي شاهدوها من الأنبياء بأم أعينهم (2) ويبدو أن هذا التفسير مناسب ، ولا يبعد الجمع بين التفسيرين.

* *

مخ ۲۹۴