نبي موسی او د تل العمارنه وروستي ورځې (لومړی برخه): جغرافیایی تاریخي موسوعه
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
ژانرونه
ومن هنا يستمر «سوسة» في سرد تصوره للأحداث، فيقول: إن الخارجين بقوا في سيناء أربعين سنة، هي المعروفة تقليديا بسنوات التيه، لكنه عند «سوسة» لم يكن تيها، بل انتظارا وترقبا مقصودا داخل سيناء، وهو كلام معقول، لكنه يحدد لذلك أسبابا كان أهمها أنه لم تكن لديهم آنذاك القوة الكافية لطرد سكان فلسطين والحلول محلهم، ثم يزيد في إيراد الأسباب فيقع في مجموعة أخطاء، من قبيل أنهم بسيناء أمنوا شر الآشوريين، ولو أجرى مراجعة تاريخية بسيطة، لعلم أن الآشوريين كانوا واقعين آنذاك تحت الاحتلال الكاسي، والسبب الآخر عنده أنهم بسيناء، كانوا بمأمن من الآراميين، رغم أن الآراميين آنذاك لم يبلغوا بعد قوة تمكنهم من المغامرة، إضافة إلى حكمة أخرى هي أن أرض كنعان، كانت حينذاك ساحة لمعارك بين رمسيس الثاني والحيثيين، والخطأ هنا فادح حقا؛ فهناك فارق عظيم بين زمن «تحتمس الثالث» (1490-1436ق.م.) وبين زمن «رمسيس الثاني» (1290-1224ق.م.) يتجاوز تلك الأربعين عاما المفترضة للتيه، بمائتي عام إضافية، أي إن الفارق بين الزمنين كان 240 عاما كاملة، هكذا؟! ...
المهم أنه يقول بتجنب «موسى» التوغل في فلسطين، تلك السنين الأربعين (لم يحاول بالطبع إجراء أي حسابات، ليعلم أن ما ذهب إليه قد جعل سنوات التيه 240 سنة)، وبعدها تمكن الخارجون من الدخول إليها بقيادة «يشوع» بعد موت موسى، بالعبور من شرقي الأردن إلى غربه في عمق فلسطين، وقد تم ذلك دون مشاكل؛ لأن مصر كانت عاجزة عن التدخل في شئون فلسطين، ومد يد العون لملوك كنعان، وهو بدوره خطأ هائل وتناقض عظيم، فلو أخذنا أخطاءه بحسبانها صادقة، واحتسبنا الخروج قد حدث زمن «تحتمس الثالث»، وأن التيه قد حدث زمن «رمسيس الثاني »، فإنه في كلا العهدين كانت مصر في أوج اقتدارها وعزتها.
38 (3) نظرية الخروج زمن خلو العرش بعد سقوط إخناتون
ويمثل هذه النظرية العالم النفسي الأشهر «سيجموند فرويد»، وهي تأخذ ثقلها العلمي، ليس من وثائق التاريخ، بقدر ما تأخذه من تطبيق «فرويد» للتحليل النفسي على القبيلة الإسرائيلية الخارجة من مصر، ومحاولته حل بعض الغوامض في تاريخهم بمنهجه الفريد والممتع، وهو يسلم برواية التوراة عن الدخول إلى مصر والخروج منها، ولا يناقش التفاصيل إلا فيما لا يبدو متسقا مع المنطق؛ لذلك فإن نظريته هي محاولة للتفسير أكثر منها محاولة لبحث علمي تاريخي جغرافي مقارن، لكنه توصل أثناءها إلى بعض الفروض لتحديد زمن الخروج، وما حدث في شبه جزيرة سيناء في سنوات التيه، وأثر ذلك على تطور المفاهيم الدينية لبني إسرائيل.
وقد لاحظ «فرويد» أن قصة إلقاء «موسى» في اليم، قصة متواترة في مأثورات الحضارات القديمة بالمنطقة، وفي أساطير الرافدين وبلاد اليونان القديمة وغيرها، حول أبطال الأساطير، ومن هنا رصد لنا أهم العلامات البارزة التي تشكل العناصر الأساسية، لقصة إلقاء البطل الأسطوري في اليم، أو استبعاده عن بيت أبيه وأهله بأي أسلوب آخر، ليربى بين قوم غرباء، ليلفت نظرنا إلى أن الأسطورة التقليدية تقول بعدة عناصر، أولها استبعاد البطل وهو طفل عن أسرته أو وطنه، وثانيها إنقاذ البطل الطفل المستبعد، بواسطة الرعاة أو أناس بسطاء عموما أو حتى حيوانات، فترضعه أنثى الحيوان المنقذ أو المرأة البسيطة، وحين يشب عن الطوق يعثر على أهله بعد مغامرات عديدة، وعادة ما تقول الأسطورة النمطية بانتقام الشاب اليافع من أبيه الذي فرط فيه، وبعدها يحظى بالشهرة والمجد.
لكن المشكلة في قصة النبي «موسى»، هو أنها تختلف عن الأسطورة النمطية، إلى حد السير بعكس الاتجاه التقليدي للأسطورة النمطية المعلومة، «فالأسرة التي تتخلص منه وضيعة جدا وليست أسرة نبيلة»، فموسى سليل لاويين ضمن بني إسرائيل المستعبدين بمصر، «وتنقذه أسرة من البيت الملكي» المصري، وتقوم الأميرة على رعايته، وهو عكس للأسطورة التقليدية، التي تقول بإنقاذ الطفل المستبعد، من بيت نبيل على أيدي أسرة وضيعة، ليشب في البراري أو الغابات، وقد كان اختلاف أسطورة موسى عن الأسطورة النمطية التقليدية، مثيرا دائما لدهشة الباحثين في الميثولوجيا، والمفترض في تفسير الأسطورة النمطية، أن تكون الأسرة النبيلة التي ولد بها الطفل هي الواقعية، والأسرة الوضيعة هي الوهمية، التي اصطنعتها الأسطورة، لتجعل نجاة البطل ميلادا غير عادي أو مألوف، ليكتسب البطولة أو الملوكية أو القدسية، أي إن الأسطورة النمطية تحوي أسرتين: الحقيقية فيها هي الأسرة النبيلة أو الملكية، أما الأسرة الوضيعة فهي الأسرة الخيالية المتوهمة. لكن حتى هنا نجد قصة «موسى» تقلب الوضع، فتقول إنه ولد بأسرة وضيعة، ونما ونشأ في أسرة نبيلة؛ لذلك وحسب قواعد الأسطورة النمطية، لم يجد «فرويد» مفرا من احتساب «الأسرة التي تخلصت من الطفل «الأسرة الإسرائيلية»، هي الأسرة الوهمية، بينما كانت الأسرة الحقيقية هي التي ربته في البيت الملكي، ومن ثم لا بد أن يكون «موسى» مصريا بالفعل، جنسا ونشأة وتربية وثقافة»، من أصل مصري نبيل، لكن حتى تحقق الأسطورة التوراتية أغراضها التي صيغت من أجلها، تجعل هذا المصري يهوديا.
39
وقد لاحظ «فرويد» أدلة هامة على صدق نظريته في مصرية «موسى»، حيث قال: إن هذا المصري الذي وهب اليهود دينهم الجديد، قد أرسى بينهم عادة الختان، والمعلوم أنها عادة مصرية صميمة، كان أول من ابتدعها في الشرق هم المصريون،
40
وكان الشعب المصري فريدا بين الشعوب. أما الأكثر فهو أن الديانة اليهودية، كانت تجهل العالم الآخر والحياة بعد الموت، بالرغم من التلازم بين عقيدة التوحيد وعقيدة العالم الآخر الخالد، وهو الأمر الذي قاد «فرويد» إلى أن ذلك النفي للبعث في ديانة توحيدية، يجب أن تأخذ بالعقيدة الأخروية، يعطينا إشارات لكشف الأمر، فالمصريون يؤمنون طوال تاريخهم تماما بالعقيدة الأخروية، ولكن يوجد زمن قصير جدا ومحدد في مصر، نفى الآخرة ورفض الاعتقاد بالعالم الآخر، ويجب أن يكون هو زمن الخروج حيث ترك تأثيره بنفي الآخرة عند الإسرائيليين الخارجين، وهو ما يحدد لنا زمن الخروج، ونحن نعلم «أن الفرعون الذي نفى الآخرة من عقيدته، ولا يوجد غيره فعل ذلك، هو «آمنحتب الرابع/إخناتون» (1367-1350ق.م.)» الذي دعا لعبادة إله واحد هو «آتون»، وألغى كل العبادات الأخرى، وأغلق بالقهر معابد الآلهة المتعددة، وفي نضاله ضد الخرافات الوثنية، كان لا بد أن يصطدم بأعمق العقائد في نفوس المصريين، التي يمثلها الإله «أوزيريس/أوزير»، إله الموتى والعالم الآخر وقاضي الحساب أمام الموازين، وفي سبيل التوحيد «ضحى «إخناتون» بأوزير وبعالمه الآخر»، ورفض فكرة البعث من بعد الموت برمتها، حتى لا تستدعي إلها يشارك «آتون» وحدانيته، وهي أعز الفكر للمصري القديم، والتي كانت وراء الغليان بالثورة ضد الفرعون فيما بعد، تحت قيادة كهنة آمون رع.
ناپیژندل شوی مخ