والملحوظة الجديرة بالبيان هنا، هي أن «أرام النهرين، وفدان أرام، وحاران» كلها مناطق تقع شمالي بلاد الشام، وشمال غربي العراق، فما للتوراة إذن و«أور الكلدانيين» في أقصى الجنوب؟ ويبدو أن هذه الإشكالية قد واجهت مؤرخينا الأوائل، وتركتهم بين الشك واليقين، أو بين «أور» و«حاران» كموطن للقبيلة الإبراهيمية ومهد أول، فقال الثعلبي محاولا الحل: «وقال بعضهم: كان مولده بحران، لكن أبوه نقله إلى بابل». أما ابن كثير فأكد أنه من مواليد «أور» الكلدانية الرافدية، بدليل أن أباه مات في «حاران» بعد الرحيل إليها، ويعقب بالقول: «وهذا يدل على أنه لم يولد بحران، إنما كان مولده بأرض الكلدانيين!» أما المستر «ماير»،
16
فقد بلبلته إشارة التوراة، إلى أن عبد إبراهيم لما ذهب يأتي بزوجة لإسحاق، توجه إلى «أرام النهرين مدينة ناحور»، فهذا الجد البعيد «ناحور» لا يقيم في «أور الكلدانيين»، إنما في «أرام النهرين»، قرب «حاران» في أقصى الشمال، وخلاصا من البلبلة حل «ماير» الإشكال بجرة قلم، وقال:
يظهر أن ناحور كان قد سبق ... إلى حاران، إذ إننا نجد ذريته لاتزال موجودة فيها فيما بعد.
17
ويحيلنا إلى دلائل هذا التواجد بالتوراة في سفر التكوين (11: 29؛ 22: 20-23؛ 24: 10-27، 43).
أما الباحثون المحدثون في علوم التوراة، فيبدو أنهم قد أهملوا مسألة «حاران»، وتوقفوا عند «أور» يبحثون ويفحصون، ومن ثم أعلن الأستاذ «دي فو
DE-VAUX » أن إبراهيم قد هاجر من «أور» ما بين عامي (1900-1850ق.م) مؤسسا إعلانه على زعم أن سبب الهجرة هو النزاع الذي قام في جنوبي الرافدين حينذاك، بين دولتي «إيسن» و«لارسا»
18
مما أدى إلى هجرات متتابعة من المنطقة؛ هربا من أوار الحرب، وقد دعم «دي فو» مذهبه بنقوش تم العثور عليها في المنطقة، منقوشة على ألواح بابلية، جاء بها الكلمتان: «أبام رام» و«آباراما» واحتسبهما صيغتين لاسم النبي «إبراهيم»، أو «إبرام».
ناپیژندل شوی مخ