وإنما أجمع الشعراء على ذلك من تضاعف بلائهم بالليل وشدّة كلفهم؛ لقلة المساعد، وفقد المجيب، وتقييد اللّحظ عن أقصى مرامى النظر الذى لا بدّ أن يؤدّى إلى القلب بتأمله سببا يخفّف عنه، أو يغلب عليه؛ فينسى ما سواه.
وأبيات امرئ القيس فى وصف الليل أبيات اشتمل الإحسان عليها، ولاح الحذق فيها، وبان الطبع بها. فما فيها معاب إلّا من جهة واحدة عند أمراء الكلام والحذّاق بنقد الشعر وتمييزه. ولولا خوفى من ظنّ بعضهم أنّى أغفلت ذلك ما ذكرته.
والعيب قوله بعد البيت الذى ذكرته «٤٢»:
فقلت له لمّا تمطّى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيّها الليل الطويل ...
فلم يشرح قوله: «فقلت له» ما أراد إلّا فى البيت الثانى، فصار مضافا إليه متعلّقا به؛ وهذا عيب عندهم. لأنّ خير الشّعر ما لم يحتج بيت منه إلى بيت آخر. وخير الأبيات ما استغنى بعض أجزائه ببعض إلى وصوله إلى القافية مثل قوله «٤٣»:
الله أنجح ما طلبت به ... والبرّ خير حقيبة الرّحل
ألا ترى أنّ قوله: «الله أنجح ما طلبت به» كلام مستغن بنفسه، وكذلك باقى البيت. على أنّ فى البيت واو عطف عطفت جملة على جملة. وما ليس فيه واو عطف أبلغ فى هذا وأجود. وهو مثل قول النابغة الذبيانى فى اعتذاره إلى النعمان «٤٤» .
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث «٤٥» . أىّ الرجال المهذّب
فقوله فى أول البيت كلام مستغن بنفسه، وكذلك آخره، حتى لو ابتدأ مبتدىّ فقال: «أىّ الرجال المهذّب» لاعتذار أو غيره لأتى بكلام مستوفى، لا يحتاج إلى سواه.
1 / 30