وهذا يبطل قول من قال فى أهل الكبائر : إن الله يجوز أن يغفر لهم من غير توبة ، فكأنه قسم من أقدم على المعاصى مع صالح عمله قسمين ، فبين فى أحدهما أنه من أهل الجنة لا محالة ، من حيث تاب واعترف بالذنب ، وبين فى الآخر لما لم يفعل ذلك أن أمرهم مترقب ، فإما أن تقع التوبة منهم فيتوب عليهم ، أو يعذبهم إن لم يفعلوا ذلك ، وهذا صريح قولنا!
** 304 مسألة :
على أن الضلال هو الكفر ، والهدى هو الإيمان إذا أتى بهما المرء ، فقال : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) [115].
والجواب عن ذلك : أنا قد بينا فى الضلال والهدى ما فيه مقنع فى جميع ما يرد من ذكرهما فى الكتاب (1)، وإنما نحوج إلى ذكر تأويله ، فأما إبطال تعلق القوم بظاهره فقد سلف ذكره.
والمراد بهذه الآية : أنه تعالى لا يضل قوما بالهلاك والأخذ بهم عن طريق الجنة بعد إذ هداهم فاهتدوا ، لأن ذلك مضمر فى الكلام ، من حيث لا يستحقون (2) نفى هذا الضلال عنهم إلا بأن يهتدوا.
وقوله : ( حتى يبين لهم ما يتقون ) يدل على ما قلناه ، لأنه فى التقدير كأنه (3) قال : لا يضلهم بالعقوبة إلا بعد إزاحة العلة من جميع الجهات ، بأن يبين لهم ما يتقون من القبائح ويعزمون عليه من الطاعات.
ويمكن أن يحمل الكلام على أنه لم يكن ليضلهم بالعقوبة إلا بعد البيان
مخ ۳۴۶