179

فنقول لهم: من أين لكم أن الإدراك بمعنى الإحاطة؟

قالوا: قال الله تعالى في فرعون: {حتى إذا أدركه الغرق} [يونس:90]، أي أحاط به الغرق، وقال أصحاب موسى: {إنا لمدركون(61)} [الشعراء]، يعني محاط بنا من قبل فرعون وجنوده.

فنقول: لو كان المعنى على ما تقولون؛ فقول الله تعالى: {لا تدركه الأبصار}، ليس مدحا لله سبحانه بأنه لا تحيط به الأبصار، بل لا ترى إلا بعضه؛ لأن أغلب الأشياء بهذه المثابة لا تحيط بها الأبصار، بل لا تحيط ولا ترى إلا بعضها، بل يمكن أن نقول إن كل الأشياء مهما صغر حجمها فإن الأبصار لا تستطيع الإحاطة بها.

فإذا نصبت مثلا إصبعك فإن بصرك لا يستطيع الإحاطة بها من كل الجوانب في وقت واحد، ولا يستطيع النظر الإحاطة إلا بما واجهك فقط وبقية الشيء الذي لا يواجهك لا يستطيع النظر والبصر الإحاطة به.

فعلى هذا المعنى لم يبق في الآية مدح لله بأنه لا تدركه الأبصار؛ بل انقلبت ذما لله سبحانه؛ لأنه قد شابه بذلك كثيرا من الأشياء، والله ليس كمثله شيء.

مخ ۱۷۹