46

ظلت روز معتقدة لبعض الوقت أن ما لمس ساقها هو الجريدة، لكنها تساءلت بعد ذلك: ماذا إن كانت يد هي التي لمست ساقها؟ كانت هذه هي الأمور التي يمكنها تخيلها؛ فكانت تنظر أحيانا إلى أيدي الرجال، والشعر يغطي سواعدهم كالزغب، ووجوههم التي يبدو عليها التركيز، وكانت تفكر في كل شيء يمكنهم فعله، حتى الأمور الحمقاء. ومن بين هؤلاء البائع الذي كان يجلب الخبز بعربته إلى متجر فلو، فكانت تلاحظ أسلوبه الدال على النضوج والثقة، والمزيج المستقر بين الخفة والانتباه في التعامل مع عربة الخبز. ولم تكن ثنية بطنه المرتفعة فوق الحزام لتزعجها. وفي مرة أخرى، لاحظت معلم اللغة الفرنسية في مدرستها، لم يكن فرنسي الجنسية على الإطلاق، وكان يدعى ماكلارين، لكن روز اعتقدت أن تدريس الفرنسية قد أثر عليه، وجعله يبدو كالفرنسيين. كان سريع الحركة شاحب البشرة، أكتافه حادة، أنفه معقوف، وعيناه حزينتان. رأت روز أنه قد أخذ يمهد طريقه نحو المتع وكأنه الحاكم بأمره في الملذات. تاقت روز توقا شديدا للدخول في علاقة مع شخص ما، تاقت لأن تمارس معها القوة، وتستمتع، وتشعر بالإنهاك.

ولكن ماذا إذا كانت يدا؟ ماذا إذا كانت يدا حقا؟ تحولت قليلا وتحركت ناحية النافذة قدر الإمكان، ظنت أن خيالها هو الذي صور لها هذه الحقيقة، الحقيقة التي لم تكن مستعدة لها على الإطلاق؛ إذ شعرت بالإنزعاج، وأخذت تركز على ساقها، وعلى ذلك الجزء من بشرتها الذي يغطيه الشراب. لم تستطع إرغام نفسها على النظر. هل كان هناك ضغط على ساقها أم لا؟ تحركت ثانية. كانت ساقاها متلاصقتين بقوة، وظلتا كذلك. لقد كانت يدا بالفعل، وما كانت تشعر به هو ضغط تلك اليد على ساقها. «كلا، أرجوك!» كان هذا ما تحاول أن تقوله. صاغت الكلمات في عقلها، وحاولت أن تنطق بها، لكنها لم تستطع. لماذا؟ أهو الإحراج أو الخوف من أن يسمعها الناس؟ كان الناس يحيطون بهما من كل اتجاه؛ فما كان من مقعد فارغ في القطار.

لم يكن ذلك السبب الوحيد.

تمكنت روز من النظر له دون رفع رأسها، وإنما التفتت إليه بحذر، فرأت أنه قد أمال مقعده للخلف وأغلق عينيه، وكم بذلته كحلية اللون مختف تحت الجريدة. كان قد فرد الجريدة بحيث تتداخل مع معطف روز، ومن تحت الجريدة وضع يده عليها كما لو كان قد مدها دون قصد أثناء نومه.

في تلك اللحظة، كان بوسع روز تحريك الجريدة، وإبعاد معطفها. وإن لم يكن نائما، سيضطر لإبعاد يده، وإن كان نائما بالفعل ولم يبعدها، فيمكنها أن تهمس له: «من فضلك!» وتضع يده بحزم على ركبته. إلا أن هذا الحل لم يطرأ على ذهنها، رغم وضوحه الشديد ونتيجته المضمونة. لكنها تساءلت بدلا من ذلك: «ولم لا؟» لم تكن يد رجل الدين - أو بالأحرى لم تكن حتى تلك اللحظة - مرحبا بها على جسدها؛ فقد جعلتها تشعر بعدم الارتياح، والامتعاض، والاشمئزاز بعض الشيء، والمحاصرة، والتحفظ. لكنها لم تستطع تحمل مسئوليتها أو صدها، لم تستطع التأكيد على أنها موجودة بالفعل، بينما بدا هو مصرا على عدم وجودها. كيف يمكنها تحميله المسئولية وهو مستلق في ذلك المكان بمظهر واثق لا يوحي بأي أذى لينال قسطا من الراحة قبل أن يبدأ يومه المشحون بوجه سليم وراض؟ إنه رجل أكبر من والدها - لو كان لا يزال حيا - ومؤكد أنه اعتاد على التبجيل والاحترام، شخص يقدر الطبيعة، ويستمتع بالبجع البري. كانت موقنة أنها إذا قالت له: «كلا، أرجوك!» فسوف يتجاهلها، كما لو كان يتجاهل بعض الحماقة أو سوء الأدب من جانبها. علمت أنها عندما ستنطق بهذه الكلمات ستتمنى ألا يسمعها.

بيد أن ثمة أمرا آخر تدخل في قرارها ؛ ألا وهو الفضول. كان فضولها أكثر قوة واستبدادا من أي شهوة. كان هو الشهوة في حد ذاته، شهوة تدفعك للتراجع والانتظار طويلا والمخاطرة بأي شيء في الغالب؛ بغية أن ترى ما سيحدث، ما سيحدث فقط.

بعد عدة أميال قطعها القطار، بدأت اليد تضغط على ساقها وتتفحصها على نحو شديد الرقة والحذر. لم يكن الرجل نائما، ولو كان، فإن يده لم تكن. شعرت روز بالاشمئزاز، والدوار، والغثيان. أخذت تفكر في اللحم: كتل من اللحم، أنوف وردية، ألسنة كبيرة، أصابع فظة؛ كل هذه الأشياء تسرع وتتسلل وتتثاقل وتفرك بحثا عن راحتها. تذكرت القطط في الأيام الحارة وهي تفرك أجسادها بالجزء العلوي من الأسيجة الخشبية، وتموء معبرة عن شكواها البائسة. كل ذلك الحك والدفع والضغط كان مثيرا للشفقة وكأنه حركات طفولية. أنسجة إسفنجية الشكل، أغشية ملتهبة، أطراف عصبية معذبة، روائح مخزية، خزي ومهانة.

كل ذلك كان في بدايته. وأخيرا تمكنت يده - تلك اليد العنيدة الصبورة التي ما كانت روز لترغب أبدا في الإمساك بها أو الضغط عليها في المقابل - من تحريك غرائز روز وإثارة رغبتها.

رغم ذلك، لم ترغب في حدوث ذلك، وأخذت تردد من النافذة: «أرجوك، أنزل يدك! توقف من فضلك!» قالت ذلك لأرومات الأشجار والحظائر. تحركت اليد أعلى ساقها مارة بالطرف العلوي لجواربها وصولا إلى بشرتها المكشوفة، ثم انتقلت إلى أعلى لتصل إلى تحت رباط الجوارب، ثم إلى سروالها الداخلي والجزء الأدنى من بطنها. كانت ساقاها حتى تلك اللحظة لا تزالان متقاطعتين ومتلاصقتين. طالما ظلت ساقاها على هذا الحال، كان بمقدورها أن تدعي البراءة، وعدم قبولها بأي شيء. فكانت لا تزال معتقدة أن بإمكانها إيقاف كل ذلك في لحظة واحدة. لم يكن سيحدث أي شيء أكثر من ذلك؛ فما كانت ساقاها لتتباعدا أبدا.

لكنهما كانتا تتباعدان بالفعل. وبعبور القطار جرف نياجرا فوق مدينة داندس، مطلا على الوادي الذي يعود تاريخه إلى ما قبل العصر الجليدي، والتلال الصغيرة بما عليها من صخور متناثرة وأخشاب ذات لون فضي، ثم هبوطه إلى سواحل بحيرة أونتاريو، قامت روز بذلك الإعلان البطيء والصامت والمؤكد الذي ربما أحبط صاحب اليد بقدر ما أرضاه. لم يرفع جفنيه، ولم يتبدل وجهه، ولم تتردد أصابعه، لكنه نفذ ما أراده بقوة وسرية. اجتياح وترحيب تزامن مع توهج ضوء الشمس في الأفق وسقوطه على مياه البحيرة والبساتين المكشوفة الممتدة لأميال حول بيرلنجتون.

ناپیژندل شوی مخ