وافقتها إحدى السيدات في الرأي، لكن أغلب الركاب أشاحوا بوجوههم للنظر من النوافذ. شربت روز جعة الزنجبيل الدافئة، لكنها تقيأت في دورة مياه القطار، سواء أكان السبب في ذلك هو الجعة، أم ما حدث مع البائع، أم المحادثة التي دارت بين فلو والسيدة التي وافقتها الرأي وسؤال الأخيرة حول المكان الذي أتت منه روز وفلو، وسبب ذهابهما إلى تورونتو، والإمساك الذي أصاب روز صباحا مما تسبب في شحوبها، أم الكمية الصغيرة من الحليب بالشوكولاتة الذي دخل معدتها. وظلت طوال اليوم خائفة من أن يشم الناس رائحة القيء على معطفها.
بدأت فلو الرحلة هذه المرة بقولها لمحصل التذاكر: «أرجو أن تشملها بعنايتك؛ فهي لم تبتعد عن المنزل من قبل!» ثم نظرت حولها وضحكت لتوضح أن ما قالته كان مزاحا. توجب عليها، بعد ذلك، النزول من القطار. بدا على محصل التذاكر أنه لم يكن بحاجة إلى أي مزاح، شأنه شأن روز، ولم تكن لديه أية نية لأن يشمل أي أحد بعنايته. فلم يتحدث مع روز إلا عندما طلب تذكرتها. جلست روز بجوار النافذة، وسرعان ما شعرت بسعادة غامرة؛ إذ أدركت أن فلو - وهانراتي الغربية - تبتعدان عنها، وتخلصت من إنهاكها بسهولة تماثل سهولة تخلصها من أي شيء آخر. كانت تحب المدن التي لا تعرفها. رأت سيدة تقف بباب منزلها الخلفي مرتدية رداء النوم غير عابئة برؤية كل من في القطار لها. كان القطار متوجها جنوبا مبتعدا عن منطقة الحزام الثلجي ومقبلا على ربيع مبكر ومناظر طبيعية أكثر رقة حيث يستطيع الناس زراعة أشجار الخوخ بالفناء الخلفي لمنازلهم.
استجمعت روز في ذهنها كل الأشياء التي ستبحث عنها في تورونتو؛ أولا: أشياء من أجل فلو، جوارب خاصة لدوالي الساقين، نوع خاص من الغراء للصق مقابض الأوعية، ومجموعة كاملة من لعبة الدومينو.
أما فيما يتعلق بالأشياء التي رغبت فيها لنفسها، فقد أرادت شراء مزيل للشعر لاستخدامه على ذراعيها وساقيها، وإن أمكن بعض بطانة الملابس القابلة للنفخ التي تهدف للتقليل من حجم الأرداف والفخذين. فكرت في احتمال وجود مزيل الشعر في الصيدلية في هانراتي، لكن السيدة التي تعمل فيها كانت صديقة فلو، وكانت تروي لها كل شيء؛ فروت لها من قبل عمن اشترى صبغة شعر ودواء تخسيس وواقيا ذكريا. أما فيما يتعلق بالبطانة، فكان بوسعها طلب إرسالها إليها، لكن من المؤكد أنه سيكون هناك تعليق في مكتب البريد على ذلك، وكانت فلو تعرف بعض الأشخاص هناك أيضا. خططت روز كذلك لشراء بعض الأساور وسترة صوفية ذات وبر، وأملت في العثور على أساور فضية اللون وسترة صوفية ذات وبر بلون أزرق فاتح. اعتقدت أن هذه الأشياء ستبدل من حالها، وتمنحها قواما رشيقا، وتصلح التجعد في شعرها، وتجفف إبطيها، وتمنح بشرتها مظهرا براقا.
حصلت روز على المال اللازم لشراء هذه الأشياء، وللقيام بتلك الرحلة، من خلال جائزة كانت قد فازت بها لكتابتها مقالا بعنوان «الفن والعلم في عالم الغد». أدهشها آنذاك طلب فلو منها قراءة المقال لها. وبينما كانت تقرؤه، علقت فلو بأنهم منحوا روز الجائزة بالتأكيد لالتهامها القاموس، ثم استطردت خجلا: «إنه مقال مثير للغاية.»
كانت روز ستقضي الليلة في منزل سيلا ماكيني، وهي إحدى قريبات والدها. تزوجت سيلا من مدير أحد الفنادق، واعتقدت أنها قد علا شأنها، لكن زوجها عاد إلى المنزل ذات يوم، وجلس على أرضية غرفة تناول الطعام بين كرسيين، وقال: «لن أغادر هذا المنزل بعد اليوم.» ما من شيء غير طبيعي حدث، لكنه قرر فحسب عدم الخروج من المنزل أبدا مرة أخرى، وهو ما فعله بالفعل، حتى توفي. تسبب ذلك في أن أصبحت سيلا غريبة الأطوار وعصبية؛ فكانت تغلق الأبواب عليها في الساعة الثامنة. هذا فضلا عن بخلها الشديد؛ فكان العشاء لديها عادة عصيدة الشوفان بالزبيب. كان منزلها مظلما وضيقا وتفوح منه رائحة تشبه رائحة المصرف.
أخذ القطار يمتلئ بالركاب، وعند وصوله إلى برانتفورد، استأذن رجل روز في الجلوس بجانبها.
قال لها: «الجو بالخارج أكثر بردا مما تتخيلين.» عرض عليها جزءا من جريدته، لكنها رفضت شاكرة إياه.
وخشية منها أن تبدو وقحة في نظره، قالت له بعد ذلك إن الجو بارد بالفعل، وواصلت النظر من النافذة مستمتعة بالصباح الربيعي. لم تعد هناك أية ثلوج في المكان الذي كان يمر به القطار. وبدا لحاء الأشجار والأجمة أفتح لونا من الأشجار والأجمة الموجودة في بلدتها. حتى ضوء الشمس بدا مختلفا؛ فكان مختلفا كاختلاف ساحل البحر الأبيض المتوسط أو أودية كاليفورنيا.
قال الرجل الجالس بجوارها: «نوافذ متسخة، ألا تعتقدين أنه ينبغي عليهم إيلاؤها قدرا أكبر من الاهتمام؟ هل تسافرين كثيرا بالقطار؟»
ناپیژندل شوی مخ