قال والد روز، مبتلعا آخر كلمة نتيجة لإصابته بنوبة سعال طويلة: «وظللت حية لتروي لنا ما حدث.» قالت فلو إنه لا ينبغي أن يظل مستيقظا أكثر من ذلك، لكنه قال إنه سيستلقي على أريكة المطبخ، وهو ما فعله. نظفت فلو وروز المائدة وغسلتا الصحون، ثم جلسوا جميعا - فلو وبيلي بوب وبراين وروز - حول المائدة للعب الورق، في حين غفا والدها. أخذت روز تفكر في فلو وهي جالسة في أحد أركان صومعة الحبوب وحولها قطع الأواني الصينية المكسورة، والزهور المخملية الذابلة، وجميع الأشياء الأخرى العزيزة عليها، منتظرة الموت في حالة من الرعب الذي تلاشى تدريجيا - بالتأكيد كان ذلك شعورها - والشعور بالإجلال والرغبة في معرفة كيف سيأتيها الموت.
كان والدها منتظرا أيضا. أغلقت سقيفته، ولم تفتح كتبه ثانية، كان اليوم التالي هو آخر يوم يرتدي فيه حذاءه. تقبل الجميع تلك الفكرة، وما كان سيربكهم أكثر هو عدم موته، وليس العكس. لم يستطع أحد سؤاله عما كان يشعر به؛ فكان سيعتبر هذا السؤال نوعا من الوقاحة، والمبالغة، والتجاوز. هذا ما اعتقدته روز. كانت ترى أنه مستعد للذهاب إلى مستشفى ويستمنستر، ذلك المستشفى الخاص بالمحاربين القدامى. كان متأهبا لتلك الأجواء الذكورية الكئيبة، والستائر شاحبة اللون المشدودة حول سريره، والأحواض المليئة بالبقع. كان متأهبا أيضا لما سيحدث بعد ذلك. أدركت روز أنه لن تسنح له الفرصة ليكون معها مثلما هو معها الآن، والمفاجأة التالية هي أنه لن يكون معها بعد تلك اللحظة على الإطلاق. •••
أخذت روز تتجول في أرجاء القاعات الخضراء المعتمة بالمدرسة الثانوية الجديدة وهي ترتشف القهوة. كان ذلك في يوم لم الشمل المئوي بالمدرسة. لم تأت روز لهذا الغرض، لكنه تصادف مع زيارتها لمنزلها للتوصل إلى حل بشأن فلو. التقت في ذلك اليوم بأشخاص قالوا لها: «هل تعلمين أن روبي كاروزرس ماتت؟ استأصل الأطباء أحد ثدييها، ثم الثدي الآخر، لكن المرض كان قد انتشر بجسمها كله، وتوفيت.»
وقال لها آخر: «لقد رأيت صورتك في إحدى المجلات. ما كان اسم تلك المجلة؟ إنها لدي في المنزل.»
ضمت المدرسة الجديدة ورشة لتعليم ميكانيكا السيارات لتدريب الطلاب، ومعهد تجميل للتدريب على هذه المهارات، ومكتبة، وقاعة مؤتمرات، وصالة ألعاب رياضية، ونافورة دوارة لغسل الأيدي في دورة مياه الفتيات. كانت هناك أيضا آلة لصرف الفوط الصحية تعمل بكفاءة.
ديل فيربريدج صار حانوتيا.
ورانت تشرستون صار محاسبا.
بينما جنى هورس نيكلسون أموالا طائلة من عمله في المقاولات، ثم تركها بعد ذلك للعمل في السياسة، وذكر في إحدى خطبه أن ما تحتاج إليه البلاد هو التركيز على الدين في الفصول المدرسية، والاكتفاء بالقليل من اللغة الفرنسية.
البجع البري
حذرتني فلو من تجار الرقيق الأبيض، وأوضحت لي كيفية عملهم؛ وهي أن تتعرف عليك امرأة عجوز أشبه بالأم أو الجدة أثناء جلوسها بجوارك في الحافلة أو القطار، ثم تقدم لك حلوى بها مخدر، وسرعان ما تصابين بالوهن وتبدئين في الدمدمة بحيث لا تتمكنين من التحدث للتعبير عما بك. وفي تلك اللحظة، تصيح المرأة مدعية أن ابنتها (أو حفيدتها) مريضة، وطالبة المساعدة في إنزالها من المركبة لتستعيد عافيتها في الهواء الطلق. فيقف رجل مهذب عارضا المساعدة ومتظاهرا بأنه لا يعرف تلك المرأة. وفي المحطة التالية، يدفعانك كلاهما بقوة لإنزالك من الحافلة أو القطار، وتكون تلك المرة الأخيرة التي ترين فيها العالم المألوف لك. يبقيك الخاطفون سجينة في المكان الذي يعيش فيه الرقيق الأبيض (الذي تنقلين إليه مخدرة ومقيدة على نحو يحول دون معرفتك بالمكان الذي توجدين فيه) حتى تصلي إلى مرحلة تعانين فيها من المهانة واليأس التام، ويتمزق فيها جسدك إثر اعتداء الرجال المخمورين عليك، وتتعرضين للأمراض الكريهة، ويتلف عقلك بالمخدرات، ويتساقط شعرك وأسنانك. يستغرق الأمر ثلاث سنوات حتى تصلي إلى هذه الحالة؛ فلا ترغبين في العودة للمنزل، وربما لا تتمكنين من تذكره أو الوصول إليه. عندئذ، يدفع بك الخاطفون إلى الشوارع.
ناپیژندل شوی مخ