أطلت روز من نافذة مطبخها على البحيرة الموحشة، كانت تتوق لأن تخبر أحدا بما يدور في ذهنها. كانت فلو ستستمتع على الأرجح بهذا الحديث الذي أذيع. تذكرت قولها: «تخيلي!» على نحو يوحي بأن أسوأ شكوكها قد تأكد بالفعل على نحو رائع. لكن فلو كانت في نفس المكان الذي توفي فيه هات نيتلتون، ولم يكن هناك أية طريقة يمكن أن تصل بها روز إليها. كانت فلو هناك أيضا عند تسجيل اللقاء مع هات، مع أنها لم تسمعه، ولم تعلم شيئا عنه بالتأكيد. فبعد أن أودعتها روز نفس دار المسنين بعامين، توقفت تماما عن الكلام، وانعزلت عن الآخرين، وقضت أوقاتها جالسة في أحد أركان سريرها، وقد بدا عليها الخبث وسوء الطباع. لم تكن ترد على أحد، وإن أظهرت مشاعرها بين الحين والآخر بعضها إحدى الممرضات.
امتياز
ود كثير من معارف روز لو ولدوا فقراء؛ لكن الحياة لم تمنحهم ما تمنوه. لذا، لعبت روز دور الفقيه بينهم في هذا الشأن؛ فكانت تقص عليهم العديد من الفضائح وملامح البؤس والفحش التي شهدتها في طفولتها. دورة مياه الصبية ودورة مياه الفتيات؛ السيد برنز العجوز في دورة المياه؛ شورتي ماكجيل وفراني ماكجيل عند مدخل دورة مياه الصبية. لم تتعمد روز تكرار ذكر دورة المياه، وكان يدهشها كيف كانت تطرأ تلك الفكرة فجأة على حديثها. كانت تعلم أن هذه الأكواخ القاتمة أو المطلية بالألوان من المفترض أن تبعث على الفكاهة - هكذا كانت دوما في دعابات القرويين - لكنها رأتها في نظرها مشاهد سافرة من العار والشناعة.
كان لكل من دورة مياه الصبية ودورة مياه الفتيات مدخل خاص مؤمن، ما أغنى عن تركيب باب في أي منهما؛ فكان الثلج يصل، على أية حال، إلى الداخل عبر الشقوق الفاصلة بين الألواح الخشبية وما يتخلل هذه الألواح من ثقوب صنعت بغرض التجسس. تكومت الثلوج على مقعد المرحاض وعلى الأرضية؛ الأمر الذي عكس امتناع الناس - على ما يبدو - عن استخدام المرحاض. وفي الثلج المتكوم تحت طبقة الجليد الصقيلة، حيث أخذ الثلج يذوب ويتجمد ثانية، وجد الغائط مجمعا أو فرادى، محفوظا كما لو كان تحت طبقة من الزجاج، فاتح اللون كالمستردة أو قاتما كالفحم النباتي، وبين هذا وذاك درجات متفاوتة أخرى من اللون. أصاب ذلك المنظر روز بالغثيان، وتملك منها الإحباط برؤيته، فوقفت عند المدخل، ولم تستطع إرغام نفسها على الدخول، وقررت أنه بوسعها الانتظار. بللت روز نفسها مرتين أو ثلاث مرات أثناء عودتها للمنزل راكضة من المدرسة إلى المتجر الذي لم يبعد كثيرا؛ الأمر الذي أثار اشمئزاز فلو.
أخذت فلو تغني بصوت مرتفع ساخرة من روز: «طفلة صغيرة تبلل نفسها ... تعود للمنزل وملابسها مبللة!»
أسعد ذلك الموقف فلو للغاية؛ إذ كانت تحب أن ترى الآخرين في لحظات بساطتهم، تلك اللحظات التي تفرض فيها الطبيعة سلطانها عليهم. كانت من نوعية النساء اللاتي يستمتعن بانتهاز أية فرصة لفضح الآخرين. شعرت روز بالمهانة، لكنها لم تفصح عن المشكلة. لماذا؟ لعلها خشيت أن تذهب فلو إلى المدرسة حاملة دلوا وجاروفا لتنظيف دورة المياه وتوبيخ الجميع.
اعتقدت روز، أيضا، أن مجريات الأمور في المدرسة لا مبدل لها، وأن القواعد السارية فيها تختلف عن أية قواعد يمكن لفلو استيعابها، والهمجية بها لا حد لها، واعتبرت أن المفاهيم البريئة مثل العدالة والنظافة كانا مفهومين غائبين في الفترة الأولى من حياتها. وبدأت تركم في ذلك الوقت أول مخزون من الأشياء التي لا يمكنها الإفصاح عنها أبدا.
فما كان بإمكانها الإفصاح أبدا عن السيد برنز. بعد أن بدأت روز تذهب إلى المدرسة، وقبل أن تعرف أي شيء عما ستراه - أو عما يمكن أن تراه، بالتأكيد - كانت تركض بمحاذاة سور المدرسة برفقة بعض الفتيات الأخريات، مرورا بأعشاب الحماض والقضبان الذهبية، ليربضن خلف دورة المياه التي كان يقضي فيها سيد برنز حاجته، والتي كان ظهرها مواجها لفناء المدرسة. تمكن أحد الأشخاص من المرور عبر السور، وانتزع الألواح السفلية من مكانها، ليتمكن أي أحد من النظر خلسة إلى داخل الدورة. سار السيد برنز العجوز - الذي كان شبه ضرير، ذا كرش، متسخ الملابس، خفيف الحركة - عبر الفناء الخلفي محدثا نفسه، ومنشدا الأغاني، وضاربا الأعشاب الضارة الطويلة بعصاه. وفي دورة المياه أيضا، بعد بضع لحظات من الصمت والإجهاد، كان صوته يسمع من الخارج وهو يدندن بهذه الكلمات:
عند تل أخضر بعيد،
خارج أسوار المدينة،
ناپیژندل شوی مخ