وقد زاد ذلك في اضطراب مرسلين، وتنبهت عمتها لاضطرابها، وعرفت أسبابه فقالت لها: أتريدين أن أمنعه عن زيارتنا؛ فإن الوقت لا يزال فسيحا؟ - كلا؛ فقد فات الأوان. - ولكن تمعني يا ابنتي فإلى أين يصل بنا هذا السلوك؟ - إلى المستحيل. - إذا كان ذلك ألا يجدر بنا قطع العلائق معه منذ اليوم؟ - بأية حجة؟ - لا بد لي من إيجادها وسأبحث. - حسنا، فابحثي عن سبب يمنعه دون أن يسحق قلبه؛ فقد عرفت عذاب الهجران فلا أريد أن أعذبه ولا سيما ... - ولا سيما أنك تحبينه، وما زلت قد قيدتني بإيجاد الحجة فخير ما أراه أن تقولي له إنك لا تحبينه. - لا أجسر على ذلك. - تمعني يا ابنتي فإن الموقف خطير، وقد يأتي يوم لا تستطيعين فيه كتمان حبك، فما يكون عندئذ وزواجكما محال؟ افتكري بابنك الذي تكتمين أمره. - إذن أنا التي سأقول له لا أنت. - أتجسرين؟ - نعم؛ فإن الشرف يقضي علي بأن أكون جريئة وإذا ضعفت فإن ذكرى ولدي تشجعني.
فهزت عمتها رأسها إشارة إلى الشك. فقالت لها: غدا سأرجوه أن ينقطع عن زيارتنا، أوثقت الآن؟ - أواه يا ابنتي كم تستحقين أن تكوني سعيدة! - إن السعادة ممحوة من كتاب حياتي؛ فقد قضي علي أن أشقى إلى الأبد.
وفي اليوم التالي جاء بوفور حسب عادته واقترح عليهما نزهة في الجبل، فرضيت مرسلين وهمست في أذن عمتها قائلة: تلهي عنا هناك من حين إلى حين بجني الأزهار كي تفسحي لي المجال لمحادثته.
وذهب الثلاثة إلى الجبل، وقبل أن يصلوا إليه سمعت مرسلين صوت رجل يغني؛ أبرقت أسرة وجهها فرحا؛ إذ عرفت صاحب هذا الصوت؛ فقد كان ذلك الجندي المقطوع اليد الذي كان في خدمة أبيها، ثم انصرف إلى الارتزاق من التجول والغناء.
ولم تستطع إخفاء فرحها حين رأته فقالت له: أأنت هنا يا كلوكلو؟
قال: إني مقيم في فندق بونكور، وإني خادمك أين كنت.
وبعد أن حدثته هنيهة تركته فأخذ الثلاثة يتسلقون الجبل.
وكانت عمتها وبوفور يتقدمانها وهي ماشية من ورائهما تفكر في أمرها وتسير الهويناء، وكلما التفتت إليها عمتها تستحثها على السير نظرت إليها نظرة مفادها أني أوثر أن أسير وحدي.
وما زال هذا شأنهم حتى انتهت عمتها إلى قمة عالية ووقفت تشير إليها فأدركتها مرسلين، ونظرت إلى قمة ذلك الجبل إلى واد عميق، ورأت في أسفله زهر البنفسج متكدسا بين الثلوج والصخور في ذلك الوادي، فلم تتمالك عن إظهار إعجابها بهذه الأزهار، وقالت: يا الله، ما أحلاها! وكم كنت أود لو أستطيع أن أجنيها!
وقد قالت هذا القول لعمتها ثم انصرفت إلى الحديث معها، وبعد هنيهة التفتت إلى جهة الوادي فرأت بيير بوفور يهبط إلى ذلك الوادي وهي لا تعلم أنه سمعها تشتهي الأزهار، وقد اضطربت لما رأته، فصاحت بملء صوتها تقول: بيير، بيير، بربك عد ولا تتقدم. فلم يسمعها بوفور بدليل أنه لم ينظر إليها واستمر في هبوطه.
ناپیژندل شوی مخ