أما المرأة فتقوم بأعمال منزلها أحسن قيام، فتحسن التدبير، وتساعد الرجل في بعض الأعمال، وتستخرج السمن والجبن، وفي الغالب أنها تأتي بالماء من الترع على رأسها، وتمشي به معتدلة مسرعة في خطواتها، يظهر عليها النشاط والاستقامة، وتشتغل في أوقات الفراغ بغزل الكتان لنسج ملابسها، إلا أنها لجهلها لا تحسن تعهد الأطفال والاعتناء بنظافتهم، فهي تعرضهم للمرض خصوصا مرض العيون، ولكنها تجتهد في عمل ما تقدر عليه، فلا يضطر الفلاح إلى شراء شيء إلا ما ندر، وهو مع ذلك يبيع القطن والحبوب الزائدة عن حاجته.
أما فقراؤهم فلا يعرفون من العسر إلا اسمه؛ لأنهم يشتغلون أيام الزرع والحصاد عند أصحاب الأراضي، ويأخذون أجورا كافية لسد عوزهم طول السنة، زيادة عن أكلهم، وأخذ ما أرادوا من الخضر وغيرها من الأشياء التي لا قيمة لها عند الفلاح لكثرتها، وعند الفراغ من الأعمال لا يحرمهم الأغنياء من أخذ ما تيسر من الخضر والبقول للطبخ، ولا يمنعهم أحد من تسريح ماشيتهم التي يتعيشون منها على الجسور ورعيها الكلأ.
وبالجملة، فإن فلاحي المصريين في رغد عيش وظل ظليل ما أحسنوا التصرف، واجتنبوا تقليد المدنيين التقليد الأعمى، وهم مع ذلك في تمتع مطلق؛ ليس لأحد عليهم سيطرة في جميع أحوالهم المباحة، وفيهم من مكارم الأخلاق حب المساواة بين الناس، غنيهم وفقيرهم، وترك التملق حتى إن الفقير يدعو الغني باسمه، لا يزيد عليه كما يدعوه الغني، ولا يهتمون بحسن الزي وزخرفة الملابس، ويمقتون المسرف، ولا يتظاهرون إلا بالفضائل محتقرين الفجور وأهله، كيف كانت حالهم، ولهم حرص شديد على اتحاد كلمة الأسرة، وعدم تشتيت شملها، وربما ساعدهم ذلك على تحسين حالهم، والاقتصاد في نفقاتهم، ولنسائهم من الاستقامة والصبر على مكابدة المشاق، والقدرة على مساعدة الرجال، والقناعة بما لديهن ما هو جدير بحسن الثناء.
هذه حالهم على العموم، ولا شك أن بعضهم قد تبع خطوات الأشرار، فأنفق ماله سدى وساءت حاله.
أما المدنيون: فتختلف أحوال معيشتهم باختلاف منابع رزقهم، فمنهم التجار، والموظفون، والصناع، والعملة، وأغلب أشيائهم تأتي من الخارج، حتى إن الفقراء منهم يستبدلون
1
شراء الدقيق الآتي من البلاد الأجنبية بشراء القمح لقلة ثمنه.
أما أغنياؤهم: فأغلبهم يفضل شراء الأشياء المصنوعة، كالملابس وغيرها على صنعها في المنزل، حتى إنهم فضلوا شراء الخبز من المخابز على تجهيزه في المنزل، وهذا لكسل النساء، وتركهن أعمال المنازل في أيدي الخادمات يتصرفن فيها ما شئن؛ ولذلك كان شراء الخبز على علاته أقل نفقة من القمح؛ لعدم تمكن الخادمات من سرقة الخبز، كما يسرقن القمح والدقيق؛ لأن الخبز يأتي كل يوم على قدر الحاجة.
وقد اعتادت نساؤهم الكسل، ونمن على فراش الراحة، فلم يهمهن إلا تحسين زيهن، والتغالي في الترف، حتى فضلن زينتهن على جميع ما عداها، فما يسعى الرجل في جمعه تجتهد المرأة في تشتيته وإنفاقه على مطالبها التافهة، فيضطر الرجل إذ ذاك إلى كثرة الكد والتعب، وتزداد هي من التبرج والزينة، غير مبالية بما يقاسيه الرجل من المشاق، فتترك منزلها في أيدي الخادمات يبددن الأشياء ويتلفن أخلاق الأبناء؛ لكثرة المخالطة، وتخرج في زيارتها من منزل إلى آخر.
هذا، ولا أنكر أن بعضهن يعتنين بمنازلهن والقيام بنظافة الأطفال وحسن تربيتهم، وهن مع ذلك يساعدن الرجال في التدبير، ويدخرن بعض المال لتعليم أبنائهن، ويستبقين بعضه أمانا من الفقر، حتى إذا مات الرجل أو أصابه أمر وجد الأطفال من المال ما يسد عوزهم، ويقوم بتربيتهم.
ناپیژندل شوی مخ