واعلم أن الله واحد في الربوبية والعز والكبرياء، واحد بنفسه لا بغيره، وهو واحد لا ثاني معه، ولا مثل له في صفة ولا ذات، ولا في قول ولا في فعل، ولا في معنى من المعاني كلها، ولا له مثل في صفة ولا في معنى شرف وفضل، ولا يزول عنه هذا المعنى الذي هو شرف في كل معنى، إذ لا شيء يشبهه، ولا هو شيء يشبه شيئا، ولو جاز أن يكون له مثل في معنى، وكان ذلك يكون شرفا لجاز أن يكون مثل غيره بكل معنى، ويكون ذلك له شرفا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ومعنى من معاني الواحد هو الأول الفرد، ذلك في الحساب والعدد بين، إذ لا يكون العدد إلا به، لأنك تقول: واحد واثنان، فالثاني بالواحد كان، ولولا الواحد الذي هو أول الثاني، ما كان الثاني قبل الأول، كان واحدا، أكثر العدد الذي لا يحصى، وهو المكثر لكل معدود، العدد الواحد يستزيد وبه يزاد، ولولا هو ما كانت الزيادة، وكل ما زاد الحساب فبالواحد زاد، والواحد هو المفرد لما سواه، وهو أقدم من كل ما به ازداد، وكثرة العدد تزداد به، وتنقص به، فالواحد الذي به يزداد العدد وهو مقيم لكثرته، وبه يكون النقصان، وبه استوى الحساب، وبه يقل الكثير، ويكثر القليل، ويفرق بين الكثير والقليل.
فكذلك يقال الله واحد: بمعنى أول الأشياء، وبه كان كل شيء، وهو مشيئها، ومدبرها، بنفسه لا بغيره، ولا يتغير لتكثيرها ولا لتقليلها، ولا عند بطلانها، ولا يختلف سبحانه عند شيء من اختلافها، وهو سبحانه القائم بإنشائها، لا يتغير ولا يدخل في التغيير، بل التغيير داخل على ما أنشأ، ولم يزل الله قبل أن يكون الشيء شيئا، ثم إنه أراد إنشاء ما أنشأ، فأنشأ ما أراد إنشاءه على ما شاء، واضطر المنشأ إلى التغيير والزوال، والحطوط والنقص والنماء.
مخ ۳۰۹