ومن ذلك ما حكى رب العالمين عن خير خلقه أجمعين محمد وأهل بيته الطيبين فيما كان من إطعامهم لمن ذكر الله من الأسير، واليتيم، والمسكين، حين يقول: { إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } [الإنسان: 9]، فقال سبحانه: نطعمكم لوجه الله ذي العزة والسلطان، وإنما أرادوا بذلك الله الواحد العزيز الرحمن. وقال سبحانه فيما نزل من الفرقان: { ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير } [البقرة:148]، فقال سبحانه: { ولكل وجهة{ ، أي: لكل مؤتم وقبلة، ولم يرد بذلك من القول والخبر، أنه وجه مصور في صورة من الصور. وقال: { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن } [البقرة: 112] الآية، فقال: { من أسلم وجهه{ ، أراد بذلك سبحانه من سلم نفسه لربه، واستسلم له في جميع أموره، وأخلص له سبحانه دينه. وقال جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: { فأقم وجهك للدين القيم } [الروم: 43]، فأمره بإقامة وجهه للدين والإخلاص في ذلك لرب العالمين، ولم يرد الوجه دون القلب وسائر الأبعاض والأعضاء، وإنما أراد بذلك العلى الأعلى: أقم نفسك لخالقك وربك؛ وتأويل: { أقم وجهك{ ، فهو: قم بالدين بكليتك لمصورك وجاعلك. وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: { وقالت طآئفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } [آل عمران: 72.] فلم يرد سبحانه فيما ذكر عنهم أن للنهار وجها، كما يعقل من الوجوه ذوات التصاوير، التي أمر بغسلها عند الوضوء، فتقدس عن ذلك العلي الكبير. وقال عز وجل: { ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها{ ، يريد على حقيقتها وصدقها لا أن لها وجها عند جميع الخلق، غير ما قلنا به من الحقيقة والصدق.
مخ ۱۶۰