المستجاد من كتاب الارشاد تأليف العلامة جمال الحق والدين حسن بن المطهر الحلي قدس سره متوفى 726
مخ ۱
المستجاد من كتاب الارشاد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله عظيم الشأن قوى السلطان ذي النعم والاحسان والكرم والامتنان الذي هدانا بسيد الأنبياء وأعظم الأزكياء وأعلى الأصفياء محمد المصطفى أكرم الخلايق أجمعين وصفوة رب العالمين ووقانا بخير الأولياء وأشرف الأوصياء وامام الأتقياء على المرتضى أمير المؤمنين وأفضل الصديقين صلى الله عليهما صلاة أبد الآبدين ودهر الداهرين
مخ ۲
وعلى آلهما أئمة الدين وهداة المسلمين وعلى أصحابهما أكارم الأمجدين والتابعين لهم باحسان إلى يوم الدين اما بعد فهذا كتاب مشتمل على أسماء أئمة الهدى عليهم السلام وتاريخ أعمارهم وذكر مشاهدهم وأسماء أولادهم وذكر طرف من اخبارهم المفيدة لعلم أحوالهم ليقف الطالب على ذلك وقوف العارف بهم ويظهر له فرق ما بين الدعوى والاعتقاد موسوم بالمستجاد من كتاب الارشاد.
والله الموفق للسداد المكافى يوم المعاد باب ذكر الخبر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أول أئمة المؤمنين وولاة المسلمين وخلفاء الله تع في الدين بعد رسول الله الصادق الأمين محمد بن عبد الله خاتم النبيين صلوات الله عليه وآله الطاهرين اخوه
مخ ۳
وابن عمه ووزيره على امره وصهره على ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف سيد الوصيين على أفضل الصلاة والتسليم كنيته أبو الحسن ولد بمكة في البيت الحرام في يوم الجمعة لثلاث عشر من رجب سنه 30 ثلاثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله تع سواه اكراما من الله تعالى له بذلك واجلالا لمحله في التعظيم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها و كانت كالأم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربى في حجرها وكان شاكرا لبرها وآمنت به صلى الله عليه وآله وسلم في الأولين وهاجرت معه في جملة
مخ ۴
المهاجرين ولما قبضها الله تع إليه كفنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقميصه ليدرء به عنها هو أم الأرض وتوسد في قبرها لتأمن بذلك من ضغطة القبر و لقنها الاقرار بولاية ابنها أمير المؤمنين صلوات الله عليه لتجيب به عند المسائلة بعد الدفن فخصها بهذا الفضل العظيم لمنزلتها من الله ومنه عليه السلام والخبر بذلك مشهور وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واخوته عليهم السلام أول من ولد من هاشم مرتين وحان بذلك مع النشو في حجر رسول الله صلى الله عليهما والهما وسلم والتأدب به الشرفين وهو أول من آمن بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل البيت والأصحاب وأول ذكر دعاه النبي ص
مخ ۵
إلى الاسلام فأجاب ولم يزل ينصر الدين ويجاهد المشركين ويذب عن الايمان ويقتل أهل الزيغ والطغيان وينشر معالم السنة والقرآن ويحكم بالعدل ويأمر بالاحسان وكان مقامي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد البعثة ثلاثا وعشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة مشاركا له في محنة كلها متحملا عنه أكثر أثقالها وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يكافح عنه المشركين ويجاهد دونه الكافرين ولقيه بنفسه من أعدائه في الدين إلى أن قبضه الله تع إلى جنته ورفعه في عليين فمضى ع ولأمير المؤمنين عليه السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة فاختلف الأمة في إمامته يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت شيعته وهم
مخ ۶
بنو هاشم كافة وسلمان وعمار وأبو ذر والمقداد وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيوب الأنصاري وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأمثالهم من أجلة المهاجرين والأنصار انه كان الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله والامام لفضله على كافة الأنام بما اجتمع له من خصال الفضل والكمال من سبقه الجماعة إلى الايمان والتبريز عليهم في العلم والاحكام والتقدم لهم في الجهاد والبينونة منهم بالغاية في الورع والزهد والصلاح واختصاصه من النبي صلى الله عليهما في القربى بما لم يشركه فيه أحد من ذوي الأرحام ثم لنص الله جل اسمه على ولايته في القرآن حيث يقول: * إنما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين
مخ ۷
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومعلوم انه لم يزك في حال ركوعه غيره عليه السلام وما قد ثبت في اللغة ان الولي هو الأولى بلا اختلاف وإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام بحكم القرآن أولى بالناس من أنفسهم لكونه وليهم بالنص في التبيان وجبت طاعته على كافتهم بجلي البيان كما وجبت طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبما تضمنه الخبر عن ولايتهما للخلق من في هذه الآية بواضح البرهان وبقول النبي ص يوم الدار وقد جمع بنى عبد المطلب خاصة فيها للانذار وهم أربعون رجلا يومئذ يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيما ذكره الرواة، يا بنى عبد المطلب ان الله بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال عز من قايل
مخ ۸
وأنذر عشيرتك الأقربين وانا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بهما العرب والعجم وتنقاد لكم بهما الأمم وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار شهادة ان لا إله إلا الله وانى رسول الله فمن يجيبني إلى هذا الامر ويوازرني على القيام به يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي من بعدي فلم يجب منهم أحد فقام أمير المؤمنين عليه السلام من بينهم بين يديه وهو أصغرهم يومئذ سنا وأحمشهم ساقا و أرمصهم عينا فقال انا يا رسول الله أوازرك على هذا الامر فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله اجلس فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي وهذا صريح القول في الاستخلاف وبقوله صلى الله عليه وآله
مخ ۹
يوم غدير خم وقد جمع الأمة لسماع الخطاب: الست أولى بكم منكم بأنفسكم فقالوا اللهم بلى فقال لهم على النسق من غير فصل بين الكلام فمن كنت مولاه فعلى مولاه فأوجب له عليهم من فرض الطاعة والولاية ما كان له عليهم مما قررهم به من ذلك فلم يناكروه ويتناكروه هذا أيضا ظاهر في النص عليه بالإمامة والاستخلاف له في المقام وبقوله عليه السلام له عند توجهه إلى تبوك أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي فأوجب له الوزارة والتخصص بالمودة و الفضل على الكافة والخلافة عليهم في حياته وبعد وفاته لشهادة القرآن بذلك كله لهارون من موسى على نبينا وعليهما السلام قال الله عز وجل مخبرا عن موسى عليه السلام
مخ ۱۰
واجعل لي وزيرا من إلى هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في امرى كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا قال قد أوتيت سؤلك يا موسى فثبت لهارون على نبينا وعليه السلام شركة موسى عليهما السلام في النبوة ووزارته على تأدية الرسالة وشد إزره في النصرة وقال في استخلافه له أخلفني في قومي أصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فثبت له خلافة بمحكم التنزيل فلما جعل رسول الله لأمير المؤمنين صلى الله عليهما جميع منازل هارون من موسى عليهما السلام في الحكم له منه الا النبوة وجبت له وزارة الرسول عليه واله السلام وشد الازر بالنصرة والفضل والمحبة لما يقتضيه هذه الخصال من ذلك في الحقيقة ثم الخلافة
مخ ۱۱
في الحياة بالصريح وبعد النبوة بتخصيص الاستثناء لما خرج منها بذكر البعد وأمثال هذه الحجج مما يطول بذكره الكتاب والحمد لله وكانت امامة أمير المؤمنين بعد النبي صلى الله عليهما ثلاثين سنة منها أربع و عشرين سنة وأشهر ممنوعا من التصرف في احكامها مستعملا للتقية والمداراة ومنها خمس سنين وأشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين ومضطهدا بفتن الضالين كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلث عشر سنة من نبوته ممنوعا من احكامها خايفا و محبوسا وهاربا ومطرودا لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعا عن المؤمنين ثم هاجروا قام بعد الهجرة عشر سنين مجاهد للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن
مخ ۱۲
قبضه الله ثم إليه وأسكنه جنات النعيم وكانت وفاة أمير المؤمنين عليه السلام قبل الفجر ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف قتله ابن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة وقد خرج عليه السلام يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسعة عشر من شهر رمضان وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره مماكر باظهار النوم في جملة النيام ثار إليه فضربه على أم رأسه بالسيف وكان مسموما فمكث يوم تسع عشرة دليلة عشرين ويومها وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث الاخر من الليل ثم قضى نحبه صلوات الله عليه شهيدا ولقى ربه مظلوما وقد كان عليه السلام يعلم دللت
مخ ۱۳
قبل أوانه ويخبر به الناس قبل زمانه وتولى غسلة وتكفينه ابناه الحسن والحسين عليهما السلام بأمره وحملاه إلى الغري من نجف الكوفة فدفناه هناك وعفيا موضع قبره بوصية كانت منه إليهما عليهم السلام في ذلك لما كان يعلمه صلوات الله عليه من دولة بنى أمية من بعده واعتقادهم في عداوة وما ينتهون إليه بسوء النيات فيه من قبيح الفعال والمقال ما تمكنوا من ذلك فلم يزل قبره عليه السلام مخفيا حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في الدولة العباسية وزاره عند وروده إلى أبى جعفر المنصور وهو بالحيرة فعرفته الشيعة واستأنفوا إذ ذاك زيارته صلى الله عليه وعلى ذريته الطاهرين وكان سنه عليه السلام يوم وفاته مثلثا وستين سنة فصل فمن الاخبار التي جاءت
مخ ۱۴
بذكره عليه السلام الحادث قبل كونه وعلمه به قبل حدوثه ما أخبر به علي بن المنذر الطريفي عن أبي الفضل العبدي عن فطر عن أبي الطفيل عامر بن واثلة رحمة الله عليه قال جمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله فرده مرتين أو ثلثا ثم بايعه وقال عند بيعته ما يحبس أشقاها فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا ويوضع يده على لحيته ورأسه ع فلما ادبر ابن ملجم لعنه الله عنه منصرفا قال عليه السلام: * اشدد حيازيمك للموت * فان الموت لاقيك ولا تجزع من القتل * إذا حل بواديك وروى الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن الأصبغ بن نباته قال اتى ابن ملجم لعنه الله إلى أمير المؤمنين ع
مخ ۱۵
فبايعه فيمن بايع ثم ادبر عنه فدعاه أمير المؤمنين عليه السلام فتوثق منه وتوكد عليه الا يغدر ولا ينكث ففعل ثم ادبر عنه فدعاء الثانية فتوثق منه وتوكد عليه الا يغدر ولا ينكث ففعل ثم ادبر عنه فدعاء الثالثة فتوثق منه وتوكد عليه الا يغدر ولا ينكث فقال ابن ملجم لعنه الله والله يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري فقال أمير المؤمنين عليه السلام: * - أريد حياته ويريد قتلى غديرك من خليلك من مرادي امض يا بن ملجم فوالله ما أرى انك تفي بما قلت وروى سليمان الضبيعي عن المعلى بن زياد قال جاء عبد الرحمن بن ملجم عليه اللعنة إلى أمير المؤمنين عليه السلام يستحمله فقال يا أمير المؤمنين احملني فنظر إليه أمير المؤمنين عليه السلام ثم قال
مخ ۱۶
أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي فقال نعم قال أنت عبد الرحمن بن ملجم المرادي قال نعم قال يا غزوان أحمله على الأشقر فجاء بفرس أشقر فركبه ابن ملجم على اللعنة واخذ بعنانه فلما ولى قال أمير المؤمنين عليه السلام: * أريد حياته ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مرادي قال فلما كان من امره ما كان وضرب أمير المؤمنين عليه السلام قبض عليه وقد خرج من المسجد فجيئ به إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال والله لقد كنت اصنع بك ما اصنع وانا اعلم انك قاتلي ولكن كنت افعل ذلك بك لاستظهر بالله عليك.
وروى عبد الله بن موسى عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري قال سهر علي بن أبي طالب عليه السلام في الليلة التي قتل في صبيحتها ولم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته فقالت لم ابنته
مخ ۱۷
أم كلثوم رحمة الله عليها ما هذا الذي قد أسهرك فقال إني مقتول لو قد أصبحت واتاه ابن النباح فآذنه بالصلاة فمشى غير بعيد ثم رجع فقالت له أم كلثوم مر جعدة فليصل بالناس قال نعم مروا جعدة فليصل بالناس ثم قال لا مفر من الاجل فخرج إلى المسجد فإذا هو بالرجل قد سهر ليلته كلها يرصده فلما برد السحر نام فحركه أمير المؤمنين عليه السلام برجله وقال له الصلاة فقام إليه فضربه وروى في حديث آخر ان أمير المؤمنين عليه السلام أسهر في تلك الليلة وأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول والله ما كذبت ولا كذبت وانها الليلة التي وعدت بها ثم يعاود مضجعه فلما طلع الفجر شد ازاره وخرج وهو يقول: * - اشدد حيازيمك للموت * فان الموت لاقيك
مخ ۱۸
ولا تجزع من القتل * إذا حل بواديكا فلما خرج إلى صحن الدار استقبله الإوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردونهن فقال دعوهن فإنهن صوايح يتبعها نوايح ثم خرج فأصيب عليه السلام فصل ومن الأخبار الواردة بسبب قتله عليه السلام وكيف كان الامر في ذلك ما رواه جماعة من أهل السير منهم أبو مخنف لوط بن يحيى وإسماعيل بن راشد وغيرهما ان نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة فتذاكروا الامر فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم فقال بعضهم لبعض لو انا شرينا أنفسنا لله عز وجل فاتينا أئمة الضلال فطلبنا عزتهم فأرحنا منهم العباد والبلاد وثارنا بإخواننا الشهداء بالنهروان فتعاهدوا عند انقضاء الحجج على ذلك
مخ ۱۹
فقال عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله انا أكفيكم عليا وقال البرك بن عبد الله التميمي انا أكفيكم معاوية وقال عمرو بن بكر التميمي انا أكفيكم عمرو بن العاص و تعاهدوا على ذلك وتواثقوا عليه وعلى الوفاء به واتعدوا لشهر رمضان في ليلة تسعة عشر ثم تفرقوا فاقبل ابن ملجم لعنه الله وكان عداده في كندة حتى قدم الكوفة فلقى بها أصحابه وكتمهم خبره امره مخافة ان ينتشر منه شئ فبينا هو في ذلك إذ زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب فصادف عنده قطام بنت الأخضر التيمية وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان وكانت من أجمل نساء أهل زمانها فلما رآها ابن ملجم شغف بها واشتد اعجابه بها فسأل في نكاحها وخطبها فقالت ما الذي تسمى
مخ ۲۰