علق جدي على أنني مثله ألثق في طفولته، وأن وجهي كوجه أبيه، ثم تحدث أبي لجدي حديثا طويلا بلغة عشيرتهم، كان جدي يسمع في اهتمام، ترتسم في وجهه ملامح الغضب حينا، وحينا آخر يبدو عليه ملمح غريب، لم يترك في انطباعا ما، ولكنه لا ينسى، شيء مثل الخوف أو الألم، يردد جدي بين الفينة والأخرى: آآآآها.
إلى أن وصل حدا قاطع عنده أبي قائلا كلاما مختصرا انتهى في صوت مبحوح لا يشبه الصوت الذي كان يتحدث به عندما استقبلنا، وباللغة العربية: نشوف.
همس أبي لأمي طالبا منها شيئا، ولكنها قالت بوضوح وبصورة قاطعة: لأ، حأمشي مع ولدي أي مكان، سوا سوا.
قال الجد: أرح نمشوا قريب، تعالي معانا، ما في مشكلة.
مضينا عبر طريق عشبي، صعدنا الجبل، كان أبي يمسك بيدي وهو يهرول بي خلف جدي، أمي وجدتي تمشيان في الخلف صامتتين، في الحقيقة كلنا صامتون، الصوت الوحيد الذي يصدر منا هو وقع أحذيتنا على العشب والحجارة، إلى أن توقف جدي أمام قطية كبيرة خلفها قطيتان، أتى نحونا صبي في عمري تقريبا، تحدث إليه الجد فجرى نحو قطية صغيرة، جاء في معيته رجل عجوز صافحنا جميعا في أكفنا، سأل أبي أسئلة كثيرة عن العمل والصحة والحياة، هي طريقتنا في السلام، ولكن بعد أن قدم لنا شرابا وطعاما تحدث إليه جدي بصوت خفيض ولو أن التوتر الذي به لا يخفى، كانت أمي تحملق في وهي تريد أن تقول لي شيئا بعينيها فشلت أنا في فهمه تماما.
أراد أبي خلع ملابسي، وعندما قاومت قال لي: ما تخاف، جدك عايز يشوفك.
نظرت إلى أمي، أشارت إلي بأن أقبل، ولأن أبي وأمي كانا يتحدثان عن ختاني؛ ظننت أنهما سوف يفعلان، مما جعلني أخاف مرة أخرى، وسألت أمي ما إذا كانوا سيختنونني، فأكدت لي أمي أنني سوف أختن في العيد وليس الآن، وعن طريق الطبيب، خلع أبي ملابسي كلها، جاء الرجل العجوز بزيت في إناء زجاجي متسخ الجنبات، قالت لي أمي فيما بعد أنه زيت من شحوم المرفعين، جلس القرفصاء أمامي على فراء من جلد أظنه لعجل أو حيوان كبير.
قال أبي لأمي في تحد وهو ينظر إلي: حنشوف الولد دا ولدي أنا ولا لا.
أمي لم ترد، ظلت هادئة ، طلب مني والدي أن أقف منتصبا وأنظر إلى الرجل العجوز في عينيه، فعلت، أمسك الرجل العجوز بعضوي وسحبه إلى الأمام بيده اليسرى بشدة، ثم أدخل كفه مبسوطة في إناء الزيت، أخرجها، قال شيئا لم أفهمه، صفعني فجأة بكفه في سرتي فأحسست أن شيئا ما قد برز فجأة متزامنا مع الصفعة من نهاية سلسلتي الفقرية، هنا هتف أبي فرحا، أما جدي فبكى من الفرح، قالت جدتي بصوت مرح: ما شاء الله.
أخذ الرجل العجوز يدي مبتسما، جعلني أتحسس ذنبي القصير الصغير بأنامل كفي، كان شيئا أملس قصيرا دافئا قبل أن يصفعني العجوز مرة أخرى ويختفي الذنب، ظلت أمي الشخص الوحيد الذي لم يكن سعيدا وهي تبتسم في ألم.
ناپیژندل شوی مخ