وقال جناب الأستاذ جوستو زامبيري:
إن التبادل المستمر في الشعور والأفكار بين الأمم القريبة والنائية قد حصل في غالب الأحيان بواسطة الفنون؛ لأن الفن له مزية قائمة بنفسها وجدت بوجود الإنسان، وجعل لها الأقدمون صبغة روحية؛ فقد قال القديس أوجستان: «إن الفن موطنه الروح فلا ينفصل عنها»، وقد اهتم علماء إيطاليا بفنون الشعوب كلها؛ لأن إيطاليا الحديثة الناهضة تعلمت كيف تفكر للوصول إلى مطالبها العالية، وتمهيد السبل لمثلها في باقي الشعوب. والفن الشرقي له صبغة شخصية في غاية الطلاوة. ففي الفنون الحسية نرى الخطوط والدوائر مرسومة على ألوف من الأشكال البديعة التي أحدثت في الغرب تأثيرا فنيا مهما، ولما اكتست هذه الفنون بالأنغام الشرقية التي تمكنت من استعمال أدق الأبعاد التي بين صوت وآخر وأتقنتها ولدت في الغرب حاسة الخيال المبدع.
وقد كان في إيطاليا في العصور الوسطى نزعة قائمة على نقض الأنغام الكروماطيقية والهارمونية والاقتصار على الدياطونيقية، ولكنا نشاهد في العصور الحديثة حركة يقصد بها العود إلى الأنغام المهملة؛ فاتجهت لذلك الأفكار إلى الشرق، لأن الروح الموسيقية التي تكتنف الأرض وتصل الشعوب بعضها ببعض قادت الأفكار في هذه المرة أيضا إلى المسلك القديم الذي سلكه الفن، وهو الاتجاه دائما من الشرق إلى الغرب.
يا أيها الأماجد إن معرفتكم لتاريخ هذا الفن وعلومه التي لم تزل غامضة علينا بعض الغموض سيكون لها في هذا المؤتمر شأن عظيم، فإن نهضتكم الموسيقية وأعمال سلفكم ومؤلفات علمائكم كشرف الدين هارون وغيره مما لم ينشر فوائدها بعد سيكون لها عظيم من البحوث والتنقيب في هذا المؤتمر الذي دعوتم إليه علماء أوروبا. ومن البدهي أن انتشار العلوم يساعد على المحافظة على الفنون. وقد ذكر ذلك القديس السالف الذكر «أن العلم المجرد عن الفن إنما هو معرفة سطحية»؛ لذلك أرى أن رقي الفن الذي هو ضالتكم المنشودة سيكون ضالة المؤتمر أيضا ا.ه.
وقال الأستاذ الدكتور كورت زاكس في حضرة جلالة الملك في الحفلة التي أقيمت بدار الأوبرا الملكية نائبا عن أعضاء المؤتمر:
فهذه البلاد التي نشأت قبل بلاد الغرب تريد الآن أن تقاسمها الحياة، وأن تتبوأ بينها المكان اللائق بها، فهي الأم التي تجدد صباها وأصبحت تعد نفسها أختا لبناتها. وهاك شعار المؤتمر والروح التي تتجلى فيه عن مصر. إن هذه البلاد التي نعجب بجدها ونشاطها ترغب في ترقية موسيقاها وتجديدها. وهي التي غذت منذ ألف عام الموسيقى الأوربية. وقد تفضلتم جلالتكم فدعوتمونا وأدركتم مع منظمي المؤتمر أن هناك صعوبات جمة تقف في سبيل إصلاح الموسيقى العربية. لكنكم ذللتم هذه الصعوبات وتحملتم أعباءها؛ لأن الغرض هو توسيع نطاق فن الموسيقى العربية دون التورط في تقليد أوربا تقليدا أعمى. فعلينا أن نسعى في هدوء إلى الرقي الذي ننشده؛ لأن الطفرة بعد انقضاء ألف عام كثيرة الضرر، كما يجب علينا أن نضع أسلوبا جديدا دون أن نهمل شيئا من التراث النفيس الذي خلفته لمصر هذه الأجيال الكثيرة.
وقال حضرة الأب كولانجيت ضمن الكلمة التي ألقاها في حضرة صاحب الجلالة، عند تشرف رؤساء اللجان ومندوبي الدول في مؤتمر الموسيقى العربية بمقابلة جلالته يوم 31 مارس 1932. «إن للسعادة مظاهر تتم عنها، والموسيقى واحدة منها، لا يجوز إسقاطها، فإن الشعب الذي يغني لهو شعب سعيد، وفي عرفنا أن الترقية والتجديد لا يستلزمان حتما هدم القديم، بل نحن نعد جرما كل مساس بهيكل الموسيقى العربية القديم ونريد هذا الفن الجميل الذي ازدهرت به عصور الحلفاء الأقدمين، وتناقله الخلف عن السلف بعناية حتى وصل إلينا، نريد أن يحتفظ بصبغته التقليدية، وأن يبقى فنا عربيا حقا». ا.ه.
وإني أقتطف من خطبة صاحب المعالي وزير المعارف ورئيس المؤتمر في حفلة الاختتام ما يأتي حرفيا:
وإن اجتماع هذا المؤتمر وما ضم من العلماء ومن مختلف البلدان الغربية والشرقية المطلعين على أسرار فن الموسيقى العربية المحبين له واجتماعهم في صعيد واحد بالقاهرة عاصمة مصر لما يقدم لنا برهانا جديدا على أن التعاون الفكري بين جميع الأمم، وفي جميع نواحي النشاط العقلي من علم وفن وصناعة يؤدي إلى أحسن الثمرات. والحكومة المصرية تلحظ بعين السرور أن علماء الغرب في معاونتهم للشرق إنما يعاونونه لينهض في حدود مدنيته، ويرقى إلى أسمى الدرجات في دائرة تقاليده بغير أن يعتور مميزاته الخاصة تغيير أو يلحقها فساد.
ويسرنا أن ذلك رأي أعضاء هذا المؤتمر فقد أرادوا بفن الموسيقى العربية أن ينهض وينشط في دائرة الاحتفاظ بطابعه ومميزاته الخاصة، وقال أيضا ما يأتي:
ناپیژندل شوی مخ