فهو كل من كان لطيفا في اختلاسه وافر الحظ من حسن الصوت والتصرف - والمغني يحتاج إلى ثلاث - الحكاية والرواية - والدراية - والمغني الكامل؛ من غنى فأصاب وأطرب وألهى - والمغني الحاذق من عدل الأوزان وأشبع اللحون وملأ الأنفاس وفخم الألفاظ وأقام الإعراب - أي ليس يجب عليه أن يخطئ في الألفاظ حتى تتغير المعاني ويتمسك بقول الجاهل الذي قال: (ليس على المطرب أن يعرب) غير أنه يغتفر له وضع الهمزة بدل القاف في بعض الأحيان وترقيق بعض الألفاظ الضخمة مثلا - لتكون أخف على السامع - ولكن أكثر المشتغلين بهذا الفن معذورون؛ لأنهم لا يحسنون القراءة والكتابة بل قل إنهم لا يعرفونهما - فيجب عليهم حينئذ أن يسألوا أهل الذكر ليدرءوا عنهم شبهة الجهل - والمغني الكامل أيضا من تفرع في أجناس الإيقاع وملأ بإحسانه المسامع وأحسن مقاطع النغم القصار واستوفى الطوال - والمغني هو الذي يجتمع له العلم والعمل - فإن كان عالما ولا يخدم صناعة الموسيقى بصوته ويده وقلمه، فلا يسمى مغنيا وإن كان عالما فاضلا - وإن كان عملا بلا علم فالأمر فيه كالأمر في ذلك؛ لأن وقوع الصواب إنما يقع بالاتفاق لا بالعلم ومن أصاب ولم يعلم الصواب فيجوز أن يخطئ ولا يعلم الخطأ - ولا يسمى مغنيا حاذقا إلا من اجتمع له العلم والعمل حتى ولو حسا الأقداح وحث على شرب الراح - ولكن المغني الكامل الحاذق من جمع إلى علمه وعمله المعرفة التامة بمواضع الصواب من الخطأ، فإن وقع فيه في وقت الضرورة وقادته إليه، رجع إلى الصواب من تلقاء نفسه لا بمراجعة الغير له - والحاذق هو الذي يدرك محاسن الغناء كلها - ولا كل مدع يحفل بقوله، فإن من الناس من يعتمد حفظ ما يوهم به من يناضله ولا علم معه ولا عمل فلا بد من الامتحان - وكيفية ذلك أن تطاوله وتديم الاستماع منه تجتهد أن لا ينسحب من موضوع لآخر يفقه جيدا قبل أن يتم الأول فلا يخفى عنك ما هو عليه في أول ما يبتدئ - فقد قيل الحس عنوان الغناء - والعالم لا يقدر أن يكتم فضله وعلمه؛ لأنه يظهر في حركته ونظره وإشارته.
فصل في أسماء ملح الغناء وصفاتها (الاجتهاد) هو أن يجتهد المغني عند الفواصل والمقاطع. (الاستهلال) مشتق من استهلال الطفل بالبكاء ساعة يولد. (الاسترسال) هو أن يسترسل المغني في غنائه من غير خروج. (التفخيم) تفخيم النغم وتعظيمها وتزيينها. (الترخيم) من رخامة الغناء وتلطيف الصوت، (الصياح) هو أن يكون في الأصوات ما يكون تحسينا لها (الترجيع) تكرير النغم والمعاودة فيما يمضي. (التقريع) هو أن يخرج المغني من نوع إلى نوع ويعود إليه (التقدير) تقدير أزمان الأصوات وفصلوها. (المراسلة) تراسل المغنيين بعضهم لبعض (المطاولة) هي مطاولة المغنيين بعضهم بعضا لينقطع كل ضيق النفس. (المخاتلة) أن يراسل المغني رفيقه فيسكت عنه ويقطع به. (المناضلة) هي أن يتناضلا ويتجاودا ليظهر فضل كل على صاحبه. (التغريد) مشتق من تغريد الطيور بحسن أصواتها. (التوطئة) ما يوطأ به للحركة قبل مجيئها من غناء أو صوت. (الاختلاس) أن تؤخذ النغمة قبل وصولها والفراغ من الأولى. (تقدير الأنفاس ) أن يتنفس المغني في فصول الألحان بدون أن يشعر بذلك أحد . (الاشتراك) أن يمزج نوعا بنوع ويرجع إلى الأول. (الإغراق) أن يتغارق في الموضع ليحسنه. (الإنفاق) هو أن ينفق المغني مع غيره بالأزمان. (الإضعاف) هو أن يضعف على المغني بضعف طبقته. (الابتداع) أن يؤلف اللحن من طبعه لا من غيره. (الاختراع) أن يلحن الدور من عدة نغمات. (التوجع) جنس من الأسف والحزن والجزع. (التفجع) أشد من التوجع ويليق بالمراثي. (التذلل) يكون في الألحان فيما يليق من الأشعار (التدلل) هو صوت من التشاجي مليح (التحرز) هو التحفظ من الزلل في الغناء. (الاتصال) اتصال المغني بمغن آخر ومعارضته بأحسن من قوله. (القهقهة) تجيء في الغناء بمعنى الضحك. (الهمزة) أن يهمز النغم في مواضع من الغناء وهو مستحسن. (الاستكانة) هو التوفيق والخضوع والتذلل. (الاستنابة) أن يستنيب الأوتار عن حلقه في الشدة. (الشجي) من التشاجي وحسن الصوت وهو من الطرب. (البكاء يحكي باللحن فيما يليق به من مرتبة أو شكوى. (التأوه) وهو شيء مطرب يشبه اسمه. (التكرير) تكرير النغمة المطربة المستحسنة. (التدريج) تدريج اللحن من شدة إلى لين وبالضد. (الزفرات) وهو من الزفير وهو مستحسن.
طريقة الغناء في مصر الآن
يبتدئ أولا بالبيشروات لأنها الأصل - وهي من صناعة أهل الأستانة - ثم بالموشحات؛ لأنها فروعها ولو أنها قديمة فإن أهل الأندلس لما كثر الشعر في قطرهم وتهدبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنميق فيه الغاية استحدث المتأخرون منهم فنا منه سموه بالموشح ينظمونه أسماطا أسماطا أو أغصانا أغصانا، يكثرون منها ومن أعاريضها المختلفة، ويسمون المتعدد منها بيتا واحدا ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان وأوزانها متتاليا فيما بعد إلى آخر القطعة، وأكثر ما تنتهي عندهم إلى سبعة أبيات ويشتمل كل بيت على أغصان عددها بحسب الأغراض والمذاهب وينسبون فيها ويمدحون كما يفعل في القصائد وتجاروا في ذلك إلى الغاية واستظرفه الناس جملة؛ الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب طريقه - وكان المخترع لها بجزيرة الأندلس مقدم بن معافر الفريري من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني، وأخذ ذلك عنه أبو عبد الله أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد، ولم يظهر لهما مع المتأخرين ذكر - وكسدت موشحاتهما - فكان أول من برع في هذا الشأن عبادة القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية - وقد ذكر الأعلم البطليموسي أنه سمع أبا بكر بن زهير يقول: كل الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما اتفق له من قوله:
بدر تم
شمس ضحا
غصن نقا
مسك شم
ما أتم
ما أوضحا
ناپیژندل شوی مخ