عليه جيب السحاب مزرور
ولكن من الغريب أن أكثر الناس أيضا إذا سمعوا أشعار العرب التي قيلت في الديار والرسوم. والآثار والمرابع والأوطان والأطلال والدمن وصنعة الخيل والإبل والوحش والوقائع والثارات والأيام والأعلام والمهامه والسباسب والبيد والقفار يضحكون منها ويستبشعونها؛ لأنها تبعد عن أفهامهم ولا يؤثرون من الأشعار إلا ما كان ركيكا وفي الغزل والروض والخمر والقيان والمجالس لقرب ذلك من أفهامهم، وسرعة ملاءمته لألفاظهم - فيحتاج المغني بهذه الصناعة على الارتياض بالنظر في النحو واللغة، واستفهام الغامض من كلام العرب ومعاني أشعارها وألفاظها ليسهل عليه حفظها وفهمهما؛ فإنها أشعار جزلة فحلة كأنها نحت من صخر تتضمن أخبار العرب ووقائعهم وأثمالهم وأقوالهم وأخلاقهم ومفاخرهم وكرمهم وأنسابهم وأحسابهم، ولكن على شرط أن لا يغنيها إلا لمن يفهمها ويقدرها قدرها - كما وأنه من العيب البين على الأديب أن يطلب الكلام الركيك ويترك الشعر الجيد.
أما ما يجب على الملحن، فهو أن يعتمد العناية بوضع الأشعار فيما يشاكلها من الألحان - فما أغفل ذلك لم يعتد له بكبير فضل - قال قيدرس: الموسيقار الفاضل يجلب اللحن نحو المعنى ومتى لم يقدر الموسيقار على أن يجلب إلى معنى النفس بالشعر جسد اللحن، فليس هو بموسيقار كامل إذا كان شاعرا - فإن لم يكن شاعرا وكان صاحب لحن فقط فعلى الشاعر أن يخرج معنى النفس بالشعر وعلى الموسيقار أن يلبسه لحنا مشاكلا له - وقد تكون الأشعار أصنافا عدة في الفخر - والشجاعة والزهد - والغزل - والصيد - والشرف - والحزن - والمراثي - والثارات - والقدر - والوفاء - والفرقة - والاجتماع - والغرام - والسلو - وصفة الخيل - والزهر - والمياه - والبرك - والبحار - والبساتين - والنزه - والبعد - والقرب - والظفر - والفتح - والرياض - والحسد - والكتمان - والمصافاة - والكرم - والمواساة - والتهنئة - والدعاء - والحال - والثياب - والدواة - والقلم - والكتابة - والبلاغة - والخطابة - والسياسة - والحلم - والرياسة - والشرف - والأعراض - والشراء - والحدق - والقصور - والقدود - والنهود - والأرداف - والتثني - واستنجاز الوعد - والادكار بالحوائج - والحث - والحمية - والتحريض - والتعزية - والتسلية - والحضور - وماشا كل هذه الأحوال، وما يخلو أحد من أن تكون حالة متعلقة بشيء من هذه الخلال - ولكل معنى فيها ما يشاكله - فسبيل المغني أن يضع على كل معنى ما يليق به - فإن مدح فخم - وإن ذكر الوقائع أرهب وأرعد وأبرق - وإن ذكر الغزل رفق - وإن رثا ناح - وإن ذكر الموتى بكى - وإن ذكر الشباب تأسف - وعلى هذا المعنى يكون اعتماده.
وفي الألحان ما يحدث الانبساط - وما يحدث الانقباض وما يحدث الحركة - وما يحدث السكون - فأما الشكل الانبساطي، فهو الشكل الفخري الذي ينبئ عن المجد والنجدة وعلو الهمة وشرف النفس
2
وقد امتحنا بأنفسنا مقامي (الراست والعجم) فوجدناهما لائقين بما تقدم - وأما الشكل الانقباضي فهو الشكل الشجوي الذي يحزن ويبكي ويكمد ويشعر الإنسان عند سماعه بالجبن والخوف (العشاق - الجهاركاه) - وأما اللحن الكوني فهو المنبئ عن السكون وهدوء النفس وسلامتها ودعتها (النهاوندي - الصبا) - وأما الشكل السروري فهو الذي ينبئ عن تحريك النفس وجذلها (الأوج) - مع مراعاة أن الأوزان السريعة هي التي تحرك النفس إلى النشاط والتهيج - بخلاف الأوزان البطيئة فإنها تسكن الأعصاب - فعلى الملحن المجيد أن يضع النغمات على الأوزان التي تشاكلها - كذا لكل هذه النغمات والأوزان من الأشعار ما يوافقها.
والطريقة الموصلة في وقت قريب لمن يريد معرفة أسرار التلحين هي:
أولا:
يجب على من يريد معرفة سر التلحين ليلحن - أن يكون حافظا لمئات من الموشحات العربية والبستات التركية والبيشروات والأدوار والطرق وإلى غير ذلك من جميع المقامات؛ ليعلم كيف فعل الأولى سلفوا.
ثانيا:
ناپیژندل شوی مخ