ابتعدت عن وعيي الوظيفي، وابتعدت عن مشاعر الحب الحزين المنحرفة، وأظهرت لها مشاعر التأثر العاطفي بالقول: «لقد فهمت. أشكرك على قول ذلك الأمر الذي يصعب قوله. لقد حلت بذلك كل الألغاز. إن كل تاريخك بعد ذلك كان عبارة عن أمنية واحدة فقط؛ هي رغبة الهروب من ذكرى تلك الليلة، الرغبة في العودة إلى أن تكوني امرأة طبيعية، الرغبة في الزحف والخروج من الجحيم. لقد فهمت جيدا.
ولكن مرض البرود الجنسي بات عقبة في سبيل تحقيق تلك الرغبة، وصراعك معه جعل أعراض الهيستيريا تتفاقم؛ أي أن البرود الجنسي هو تعبير عن سخرية اللاوعي من الوعي ومن الإرادة، وتعبير عن رغبة اللاوعي داخلك في الاحتفاظ بذكرى الموسيقى الممتعة مع شقيقك.
نعم هو كذلك. لقد سمعت موسيقى الجحيم. وكلما حاولت الابتعاد عن تلك الموسيقى - باتت أذناك لا تريد سماع أية موسيقى أخرى؛ ثم إن الموسيقى التي تبعث للحياة داخل أذنيك مرات قليلة، إما حالة متطرفة في التعاسة، وإما متطرفة في القداسة المخيفة، بمعنى أنها كانت تحدث فقط في الوقت الذي تواجهين فيه حالة ذات علاقة بالجحيم؛ وذلك وقت عنايتك بمريض على فراش الموت تنبعث منه رائحة كريهة منفرة، أو عند وجودك بجوار رجل عنين بائس ... إن حالات الجحيم تلك، هي التي تجعلك أنت نفسك مقدسة، وترتبط بتلك الذكرى في ذلك الوقت، وتجعل الموسيقى تصدح مرة ثانية في أذنيك. ومن الطبيعي جدا ألا تصل إلى أذنيك الموسيقى المرحة لهذا العالم مهما فعلت.
لقد انحلت كل العقد . لن يحدث ذلك اليوم على الفور، ولكنني أتعهد لك بأنني سأجعل أذنيك تسمع الموسيقى المرحة لهذا العالم. أرجو منك أن تثقي بي ثقة مؤكدة.»
وأنا أقول ذلك، كنت أنا شخصيا متعجبا من نفسي متسائلا كيف استطعت الجزم بذلك القول دون أن تكون لدي خطة محددة، ودون أن أملك يقينا في حدوث ذلك. «هل تسمعين؟ من الآن يجب عليك أن تعيشي بمشاعر تلقائية طبيعية تجاه كل شيء، وبدون الاعتقاد أنك شاذة أو مختلفة عن الآخرين. فلا يجب أن تجبري نفسك على فعل شيء مفاجئ بالقوة لتجنب سماع موسيقى الجحيم؛ (لأن فعل ذلك يجعل الهيستيريا تعود لتنتقم)، وكذلك يجب ألا تجرحي حياة الآخرين خصيصا من أجل سماع موسيقى الجحيم عنوة.» - «فهمت. شكرا جزيلا.»
أومأت ريكو فكانت وجنتاها مبللتين تماما بالدموع. - «لا أدري حقا كيف أعرب لك عن شكري لتعاملك الطيب الحنون هذا مع إنسانة مثلي. ولكنك يا دكتور تعرف مشاعري أليس كذلك؟ لقد قاسيت وعانيت كثيرا حتى استطعت أن أخبرك بذلك. أعتقد أن كل ما حدث منذ أن التقيتك أول مرة حتى الآن، نشأ من تعثري في جهود عديمة الجدوى، حرصا مني على عدم إبلاغك بذلك الأمر ... ولكنني الآن أعتقد أن إخبارك كان أمرا جيدا حقا. ولكن هل سأكون سعيدة حقا بعد الآن يا دكتور؟» - «لا يمكن الجزم بذلك. فما زالت بعض الخطوات الضرورية متبقية. وفي كل الأحوال لا يجب التعجل. لنعمل ببطء وتأن. وأرجو أن تتحملي أحيانا بعض العلاج القاسي.» - «وهل هناك علاج أقسى من ذلك؟» - «ربما كان كذلك. ولكنك الآن قوية قوة كافية لتحمله.»
كنت أتأملها بحب وتعاطف لا حد لهما تجاه مريض هش وضعيف. وقتها أزيل تماما كل ما يشبه مشاعر الغرام بها؛ تلك المشاعر التي كانت في وقت ما تشتعل بالحمى، أراها كلها الآن على أنها مشاعر عابثة غير جدية.
قبل أن أخرجها من غرفة التحليل النفسي، تركتها في تلك الغرفة قليلا، وذهبت للحديث مع الشاب ريوئتشي. بالطبع لم يذهب إلى مشاهدة فيلم في دار السينما بل ظل ينتظر في غرفة الانتظار بلا حركة، وعندما رآني نهض واقفا في توتر. - «وصلنا إلى طرف خيط يحل كل شيء. إنها امرأة تعيسة جدا. امرأة تعيسة بدرجة فاقت توقعي بكثير جدا. وما من أحد يستطيع أن يجعلها سعيدة إلا أنت. ومن أجل ذلك ... هل تسمعني؟! غدا سأتحدث إليك بصفة خاصة عن محتوى تحليلي النفسي لها؛ لأننا نحتاج مساعدتك الآن بالدرجة الأولى. ولكن يجب أن يظل ذلك سرا بيننا، لا تخبر ريكو عنه شيئا.
أرجو أن تعدني ألا تسألها اليوم عن أي شيء. بل ترعاها بحنان ولطف فقط، إن كنت ما زلت تحبها حتى الآن.» - «أجل.»
أجاب الشاب بنبرة حاسمة، ومن خلال هذا الرد الموجز المطمئن، زاد إعجابي به أكثر وأكثر. ... في اليوم التالي جاء إلى عيادتي في عجلة واضطراب أثناء راحة الغداء في شركته. - «أرجوك يا دكتور أن تخبرني بما وعدتني بسرعة.» - «قبل ذلك، كيف كانت حالتها ليلة أمس؟» - «لقد نامت نوما عميقا كأنها طفلة رضيعة. لم يسبق لي أن رأيت، من قبل، وجهها النائم في هدوء وسلام ورضا بتلك الدرجة.» - «رائع»!
ناپیژندل شوی مخ