د بشري علومو ستونزه: د هغې قانوني کول او د حل امکان
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
ژانرونه
ورب قائل «إن هذه العلاقة أو الوشائج الإسقاطية والتربصية بالعلوم الإنسانية، لا تربط بين الباحث وموضوع البحث، خصوصا أن الإبستمولوجيا المعاصرة علمتنا أن هذه العلاقة ذات تأثير حتى على الظواهر الفيزيائية، بل إن مكمن خطورتها في أنها تربط موضوع البحث، ونتيجة البحث العلمي بإسقاطات السياق الحضاري ككل، بالبنى الثقافية المختلفة، بعوامل خارجية عن حركة العلم.» هذا صحيح، لكن معيار القابلية للاختبار والتكذيب التجريبي يلزم كلا بموقعه، من حيث يرسم حدودا للمشروع العلمي لا يتخطاها إلا ما هو علمي ما هو إخبار عن الواقع، وبطبيعة الحال بقية عناصر البناء الثقافي العوامل الخارجية لن تتسرب بسهولة إلى المشروع العلمي؛ لأنها لا تستطيع اجتياز المواجهة الملتزمة المسئولة مع الواقع التجريبي التي يتطلبها اختبار التكذيب، ولا من المطلوب منها أن تجتاز هذا الاختبار، طالما أنه ليس مطلوبا منها القيام بمهام العلم والإخبار عن الواقع التجريبي، بل المطلوب منها مهام حضارية أخرى، ربما كانت أهم، فليس العلم - طبعا - كل شيء، ولا حتى أهم شيء، لكننا نعتقد أنه شيء مهم، ومن الأفضل أن يشق طريقه، ويؤدي مهامه الدقيقة على الوجه المنشود.
إن الهدف من العلوم الإنسانية، ومن حل مشاكلها هو حل مشاكل جمة للواقع الحضاري، ليس من المستهدف البتة عزل العلوم الإنسانية عن واقع الحياة الإنسانية، ومتطلباتها وأهدافها. وليس من المطلوب إذعان مستور للأوضاع الراهنة يتذرع بالحياد الأكاديمي، ولا خضوع، بل تكريس له بزعم الموضوعية العلمية، ولا طبعا إثارة الثورة عليه لمجرد الشغب والفوضى والرفض تحت اسم العلم المجيد، على هذا نستطيع التأكيد وبحسم على أنه ليس من المنشود البتة، ولا حتى من المقصود اجتثاث الأصول والجذور الحضارية للمشروع العلمي في المباحث الإنسانية، إن السياق الثقافي الحضاري القيمي رافد ضروري للمحتوى المعرفي في العلوم الإنسانية، إن لم يكن منبعا، وهو ذاته صلب موضوعها ومسرح ظواهرها، لكن إثراءها، وحل مشكلتها ومشاكل عديدة له، يتطلب التفاعل المثمر السليم بينهما، ويشترط هذا أن يكون كل في موقعه، كل لأداء دوره.
وإذا كنا توقفنا عند تشويهات الأيديولوجيا بالذات للعلوم الإنسانية، فقد أشرنا إلى أننا لا نعطيها في حد ذاتها أية دلالة سلبية، فهي مفهوم جوهري للجماعة الإنسانية. إن الأيديولوجيا كيان شديد الأهمية، وإذا كنا استعنا ببول ريكور لتوضيح طبيعة تشويهات الأيديولوجيا للعلم فإن ريكو نفسه يقول: «إن هذا الفساد والاختلال اللذين يلحقان بوظيفة الأيديولوجيا، لا ينبغي أن يخفيا عنا الدور الإيجابي لها، أي الدور البنائي التأسيسي الجيد الذي تلعبه في حياة الجماعة، ويجب علينا هنا أن نعيد التذكير بأن كل مجموعة إنسانية لا يمكن أن تتمثل وجودها الخاص إلا بواسطة فكرة وصورة نموذجية تصنعها عن ذاتها، وهذه الصورة هي التي تؤسس بدورها وحدتها وتماسكها وتقوي إحساسها بهويتها الذاتية.»
22
وإحساسنا نحن بهويتنا الذاتية تصاعد في الآونة الأخيرة، ويتخذ صورة صحوة قوية للحس الديني، ليغدو الإسلام العظيم خاتمة الرسالات السماوية، هو سبيل تحقيق الذات، ونشدان الهوية، وأسس المشروع الحضاري، وإطار الأيديولوجيا الأصولية والمستقبلية، وهذا شيء قد يكون محمودا، خصوصا في إطار مواجهة العولمة التي تهدد بمحو كل تنوع وثراء وتمايز حضاري، ولكن تنامت مؤخرا الدعاوى إلى العلوم الإنسانية الإسلامية أو العربية، والذي يجب تأكيده - وبداهة من أجل صالح حضارتنا أولا - أن أسلمة العلوم الإنسانية أو الفيزيوكيميائية، لن يحمل في حد ذاته حلا لمشكلتها أو تقنينا لمرحلتها التفسيرية، ومضاعفة لتقدمها، وبالتالي لن يزيد في حد ذاتها من إحاطتها بالواقع، وقدرتها على المساهمة في حل إشكالياته، أجل لن يزيد من هذا شيئا إذا ما غض النظر عن شروط العلم، أي خصائصه وقواعد منطقه، وأصوليات منهجه، ومن ناحية أخرى وإذا افترضنا أن ظواهرنا الإنسانية والاجتماعية ذات طبائع وحيثيات مختلفة عن الظواهر الغربية، وافترضنا أن النظريات العربية لا تحيط بها، فالمطلوب ومن أجل الإحاطة بها أن نضع نحن نظريات ملائمة لها، فتنجح في وصفها وتفسيرها، فلا بد إذن أن تكون هذه النظريات والفروض قابلة للاختبار والتكذيب التجريبي، لنتحقق من قدرتها على القيام بالمهام المرجوة من العلم، وفي كل حال لا مندوحة لنا عن معايير المنطق، إن المنطق هو المعامل الموضوعي والقاسم المشترك الأعظم بين البشر أجمعين مهما تباينت مشاربهم؛ لأنه قوانين العقل الإنساني من حيث هو إنساني، وبالتالي فإن منطق العلم هو قوانين العقل العلمي من حيث هو علمي.
وكما حرصنا على تحقيق هدف مؤداه ألا تقتحم البنى الحضارية والأيديولوجيا المشروع العلمي، فإننا نحرص أيضا على ألا يقتحم منطق العلم البنى الحضارية والمشاريع الأيديولوجية، ومنطق العلم لا يملك حكما - لا قبولا ولا رفضا - لمشروع حضاري معين أو بنية أيديولوجية دون سواها، معنى هذا أنه لا خوف إطلاقا على عناصر هويتنا القومية وقيمنا ومنطلقاتنا من صرامة منطق العلم ومعيار التكذيب، فإن المنابع الأيديولوجية في حد ذاتها محتمية بحدودها، فحتى ولو كانت مصدرا لفرض علمي، فإن الفرض هو فقط وفي حد ذاته الذي يخضع للاختبار التجريبي، يتم تكذيبه أو تعديله أو تعزيزه، أما المصادر الحضارية الكبرى فلا علاقة لمنطق العلم ومعاييره بها.
وقد انتهينا إلى أن الوقائع التجريبية والتعميم الاستقرائي لها ليس مصدرا منهجيا للفرض العلمي، فهو يأتي من أي طريق كان، المهم هو مضمونه، ومحتواه، وقدرته على حل المشاكل المطروحة، وإثارة مشاكل أخرى، ما دام فرضا علميا قابلا للاختبار والتكذيب، منطق العلم وأيضا منهجه لا علاقة لهما بمصدر الفرض، بل فقط بالفرض ذاته، والفرض العلمي قد يستلهمه الباحث المبدع من الملاحظة التجريبية من الأيديولوجيات والفلسفات، قد يهبط من التراث، وقد يصعد من حصائل الحس المشترك، وقد يأتي من طريق آخر غير هذا وذلك ...
وسيكون مغنما عظيما لنسق العلم ولبنائنا الحضاري، لو استطاع باحثونا في العلوم الإنسانية استلهام تراثنا الزاخر وواقعنا المتطلع والخروج بفروض علمية قادرة على الإحاطة بالظواهر الإنسانية ، فتثري نسق العلوم الإنسانية، وتمكنه من طرح تفسيرات أكثر كفاءة، المهم فقط أن تصاغ من المصادر المتنوعة فروض تتحقق فيها الشروط المنطقية للسمة العلمية، أي يصاغ الفروض في صورة نظرية يمكن أن نستنبط منها قضايا جزئية، ندبر لها المواقف التجريبية لاختبارها، كما سبق أن أوضحنا بالتفصيل في الفصل الرابع من الكتاب، على أن تدبير المواقف التجريبية والاختبارات التكذيبية في العلوم الإنسانية لا يقتصر على المشاهدات أو التجارب المعملية والميدانية فحسب - كما هو الحال في العلوم الطبيعية والفلك والجيولوجيا ... إلخ - بل يتعداه إلى كل الوسائل الإمبيريقية المعروفة من أسئلة واستبيان واستبار ومقابلات وأقوال شائعة ... وحتى ما تنشره الصحف اليومية ... إلى آخر الأساليب المعروفة لباحثي العلوم الإنسانية تبعا لتخصصاتهم المختلفة.
23
معنى هذا أنه يمكن أن يظل التراث والأيديولوجيا والحس المشترك والقيم ... بالنسبة للعلوم الإنسانية رصيدا هائلا، ولكن لا يمكن استثماره إلا إذا تحول إلى عملة قابلة للتداول بين العلماء، فالمهم إذن أن يكون ثمة محك مشترك يمكن الارتكان إليه للحكم على أهلية الفرض أو عدم أهليته للقيام بمهام العلم الإخباري، وتلك مهمة تؤدي داخل نسق العلم ذاته، بعبارة أخرى، معيار القابلية للاختبار والتكذيب التجريبي يحكم على مسير ومصير الفرض داخل نسق العلم ذاته، ولا يملك أي حكم على مصادره الأيديولوجية، ومهما كانت وثيقة الصلة بالعلم، إنه مثلا «لا يفضي إلى الحسم بين قول الماركسيين، إن المجتمع في صراع، وبين قول الوظيفيين بأنه متوازن ومستمر، فهذا من شأن المنظورات الأيديولوجية، وكذلك الدعوى بالعلاقة الجدلية أو الزعم بالتكامل، فهذا من شأن الافتراضات الفلسفية.»
ناپیژندل شوی مخ