87

مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

ژانرونه

إلا أن هذا الشخص ليس حسن السمعة كما يبدو، فمن ناحية، إن إيمان كيركجارد بأن الذات الأخلاقية يجب أصلا أن «تختار» نفسها - رغم أنه بالمعنى التام للكلمة لا توجد الذات فيما قبل فعل الاختيار - يتجاوز الاستقلال عند كانط إلى مفهوم وجودي للأصالة. فهو يتضمن مفهوما لتشكيل الذات أقرب لنيتشه منه لكانط، وإن كانت الذات المختارة لذاتها عند كيركجارد - وهي أبعد ما يكون عن أن تجسد تصورا للابتكار الذاتي الحر الجمالي - يجب أن تتبنى حقيقتها الشخصية بكل ما فيها من يأس من الإصلاح، وتواجه النفس باعتبارها ضربا من الضرورة كما أنها ضرب من الحرية. إن النفس عند كيركجارد أمر لم يكتشف بعد وهدف لم يتحقق بعد. وبمجرد اتخاذ القرار الأخلاقي، باعتباره خيارا أساسيا يتعلق بكيان الفرد وليس بشيء محدد، يجب أن يعاد بلا توقف، في عملية تجمع تاريخ الذات في ظل هدف متسق ذاتيا. وسنجد صدى لعقيدة التكرار هذه لاحقا في كتابات آلان باديو، فالعيش في العالم الأخلاقي يعني الاهتمام غير المنتهي بالبقاء في الوجود، فالبقاء عند كيركجارد يمثل مهمة لا منحة، شيئا نحققه لا نتلقاه. وفي هذا البعد من اللانهائية يغطي المستوى الأخلاقي على المستوى الديني، مثلما يحمل المستوى الجمالي أثرا مسبقا للمستوى الأخلاقي.

وطالما كان المستوى الأخلاقي مرتبطا بما هو عام وكلي وجماعاتي، يجد فيه كيركجارد، البروتستانتي المؤمن بالمذهب الفردي ، القليل مما يستحق إنقاذه. وهو بذلك ليس إلا وعيا جمعيا زائفا. لكن طالما أنه يدل على الانشغال بالتوجه للداخل في الإنسان، فهو يشير بصورة غامضة إلى المعتقد الديني الذي يتجاوزه. ويكسر هذا الإيمان أنماط المستوى الأخلاقي، ويهز دعائم النفس الراضية باستقلالها، ويمثل فضيحة بالنسبة إلى الفضيلة المدنية، فاتجاهه الفردي المكثف للداخل يتعارض مع العالم الاجتماعي، ويدير ظهره باحتقار للحضارة الجماعية. وكما سنرى لاحقا مع مناصري أخلاق الواقعي الفرنسيين، لا يمكن أن تعاد صياغة الإيمان بحيث يتلاءم مع أعراف النظام الاجتماعي ومنطقه، فهو انحراف دائم عن التوافق وسبة في جبين التقاليد الاجتماعية. فالإيمان قضية متعلقة بأزمة داخلية مزمنة بحيث لا يمكنه أن يسهل دوران عجلة الحياة الاجتماعية مثلما تفعل بعض النظريات الأخلاقية الأكثر مدنية أو اجتماعية. إنه الوقت المعين وليس التقاليد، الخوف والفزع وليس الأيديولوجيا الثقافية، فهو لا يمكن أن يتجسد في العادات أو التقاليد أو المؤسسات؛ ومن ثم فهو معاد للتاريخ على نحو شديد. فحال الإنسان - كما يقول كيركجارد في عمله «المرض طريق الموات» - دائما في خطر.

إن هذه الذاتية المتوهجة متشددة في خصوصيتها؛ إذ تكره أي منطق أو نظرية أو عمومية أو موضوعية. يكتب كيركجارد: «لا يمكن إدراك الواقع» و«لا يمكن فهم الخاص.»

15

فالوجود مختلف جذريا عن الفكر، وهو أسلوب في التفكير سيصير تيودور أدورنو وريثه الأكبر في القرن العشرين، فهو يمثل أزمة الفصل بين الذات والشيء، بدلا من الجمع المتجانس بينهما. ومثير القلق الفلسفي هنا هو هيجل، الذي لم يدرك أن كل السرديات العظيمة والكليات العقلية تتحطم على صخرة الإيمان. إن هذه المثالية الراضية غير قادرة على الاعتراف بوقوع الخطيئة والذنب؛ أننا مخطئون دائما أمام الرب، وأن النفس تحمل على كاهلها ثقل الضرر والبؤس اللذين لا يمكن إنكارهما. كما أنها غير قادرة على استيعاب حقيقة أن التاريخ محض صدفة؛ فالخطيئة - انحراف الإنسانية الوجودي المحض - هي حجر العثرة الذي تصطدم به كل النظم الأخلاقية أو المخططات التاريخية العقلانية الصرفة. فقلب المسيحية - أي التجسد أو الحلول - يقضي على المنطق ؛ إذ كيف للامحدود أن يحل في المحدود؟ فالحقيقة ليست نظرية بل هي ذاتية تماما. فهي «المشروع الذي يختار شكا موضوعيا بعاطفة اللامحدود.»

16

فالإيمان هو الوجود.

يكتب كيركجارد: «المسيحية هي الروح، والروح هي التوجه إلى الداخل، والتوجه للداخل يعني الذاتية، والذاتية في جوهرها العاطفة، وهي في أقصاها اهتمام شغوف شخصي لا نهائي بسعادة الإنسان الأبدية.»

17

وبينما يتميز المستوى الرمزي أو الأخلاقي بعدالة القانون وتجرده، فإن الإيمان يتصف بالتحزب المحموم؛ وبينما يتميز المستوى الرمزي بأنه مجرد وعام ومؤكد على المساواة، فإن الإيمان وجودي ومطلق ولا يمكن قياسه. فالنفس في المستوى الأخلاقي - الأنا المتلاحمة الشفافة الواضحة المضيئة لقلب الوجود البرجوازي اليومي - تنفصل بحاجز لا يمكن عبوره عن الذات العاطفية وغير المستقرة والمتناقضة والغامضة في عالم الإيمان أو المستوى الواقعي. فالأخيرة تظل دائما لغزا ووصمة في جبين الأولى؛ إذ هي مبتلاة بصراعات لا يمكنها حلها من الناحية النظرية بل من الناحية الوجودية، فتطلق العنان لها جميعا على نحو مؤقت في مشروع دائم من الوجود الفعلي بدلا من حلها في هدوء الفكر. فالذات المؤمنة تجمع بين متناقضات وهي تعيشها، فالإيمان - كما حال الرغبة عند لاكان - أساسه في ذاته ومشروعيته في ذاته، وهو مستحيل دائما. يقع المستوى الواقعي على الجانب الآخر من اللغة - التي هي العلامة الحية على المستوى الرمزي - فهو يشبه النبي إبراهيم الذي يتجاوز حدود الكلمات في إخلاصه لأمر الرب غير المنطقي بذبح ابنه. فهو صورة من التفرد البحت يكمن فيما وراء ما هو عام، وانتصار للا منطقية حكيمة على عقلانية حمقاء. ويرفض النبي إبراهيم؛ إذ هو بين أنياب المستوى الأخلاقي - في مواجهة كل أدب إنساني - أن يتخلى عن الرغبة المبهمة المتمثلة في الإيمان.

ناپیژندل شوی مخ