مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
ژانرونه
إن ادعاء لاكان إدخال الجديد في الأخلاق هش بالتأكيد؛ فالمسيحية، كما رأينا، تضع الرغبة (التوق الإنساني للرب) في بؤرة تفكيرها الأخلاقي، وكذلك تفعل العقيدة السابقة عليها، اليهودية. وعلى نفس القدر من الهشاشة تأتي قضية التعارض الواجب بين الرغبة والخير، وهي قضية لا تتمتع بمصداقية إلا إن نزعنا الوسيط بينهما المعروف بالحب، فالرغبة في الإنجيل المسيحي - التي في صورة الحب أو التوق الذي هو الإيمان والأمل معا - ليست مضادة للخير الأسمى بقدر ما هي الدال المبهم عليه في حقيقتها. ولأن حب الرب لا يكمن إلا في جوهر النفس داعما وجودها، فبإمكاننا السعي إلى هذا الخير في صورة رغبة فيه. ومن هذا المنطلق تختفي السلبية - سلبية الرب الأجوف الذي لا يمكن الحديث عنه ولا تصوره - تحت سلبية أخرى، وهي التطلع الأبدي له. إنها رغبة خاصة بالنظام الواقعي تستحوذ على النفس استحواذا عنيفا من جذورها وتمزق أساسها. كذلك فإن الخير، الذي هو الرب، يحمل في العقيدة المسيحية كل غموض النظام الواقعي وليس وضوح أحد المثل العقلانية التافهة. فإن كان الرب هو المثال الأعلى على «الذات المفترض أن تعرف» عند لاكان - أي يمتلك علما لا غبار عليه - فليس بالبناء على هذا العلم الشامل يمكننا أن نصلح وضعنا الأخلاقي. إننا بالإيمان لا بالعلم نعرف قانون وجودنا، فالخلاص في المسيحية وفي التحليل النفسي كليهما شأن عملي نسبي، وليس مجموعة من الافتراضات النظرية.
على نفس القدر من الضعف تأكيد لاكان الهش على أن كل الفكر الأخلاقي السابق يتمحور حول المتعة، فليس كل فلاسفة الأخلاق قبل فرويد همهم اللذة الشخصية بلا حياء، وإن كان من الصحيح أن أي مذهب أخلاقي قائم على إدراك الذات، سواء كان المذهب الأرسطي أو الهيجلي أو الماركسي، يجب أن يقبل هذا الفائض الفاسد المحرج الذي يأتي بنتائج عكسية أو الفشل في تحقيق الهدف الناتج عن الرغبة. لكن في نظرة لاكان الضبابية، فإن فرويد رائد كبير في هذا الصدد؛ فإشارته الطليعية لا تحدد موقع القانون الأخلاقي بالنسبة إلى النظام الرمزي، بل بالنسبة إلى الشيء المفقود دائما الذي يتعلق به تطلعنا، وهو ما يسميه لاكان دراميا «الشيء الكبير»، والذي أحيانا ما يترجمه بجسد الأم. إن الرغبة التي يعبر عنها التحليل النفسي هي الرغبة الخاصة بالنظام الواقعي، القوة المضطربة التي تتخطى قيود النظام الرمزي، وإن في ذلك مكمن أصالتها الأخلاقية.
هذه الرغبة من جهة تتفق بالتأكيد مع الطبيعة العامة للنظام الرمزي؛ حيث إنها تظل واحدة لدى الجميع. إلا أنها تتخذ أيضا شكلا مختلفا عند كل فرد، فتظهر لهم «بخصوصيتها الودية في صورة أمنية متغطرسة»؛ وذلك بعبارة لاكان في كتابه «أخلاق التحليل النفسي.»
10 (إن الإشارات اللاحقة لأرقام الصفحات من عمل لاكان هذا ستوضع بين قوسين بعد الاقتباسات المعروضة منه.) إنها القانون الذي يحكم كيان الفرد الخاص، وهي من ثم أبرز القوانين الخاصة غير القابلة للاختزال، حتى وإن كانت هذه الخصوصية موجودة فينا جميعا. إن الرغبة تتسم بالتفرد المراوغ ل «القانون» الخاص بعمل فني أكثر من التماثل المجرد للقانون الأخلاقي، فهي تشبه الحكم الجمالي عند كانط أكثر من منطقه العملي ، فعلى عكس قانون النظام الرمزي فإن هذه الرغبة المتعجرفة إذ «تكمن في أعماق الذات في صورة غير قابلة للاختزال» (24)، فإنها غير قابلة للقياس إطلاقا على أي شيء آخر، ولا يمكن الحكم عليها من الخارج. ورغم لا مبالاة لاكان اللافتة بنيتشه، فثمة صدى هنا لرؤية هذا الفيلسوف الألماني التي ترى بأن هناك قانونا خاصا لكل فرد.
إن المفهوم التقليدي عن الخير الأسمى في نظر لاكان - وهو أسطورة معظم النظريات الأخلاقية التقليدية - لا يمكن أن يكون سوى ضرب من المثالية الزائفة؛ ومن ثم فهو حجر عثرة أمام الفكر الأخلاقي الأصيل. وبوصف لاكان طليعيا أخلاقيا، فيبدو أنه يعتبر كل ما سبق في الخطاب الأخلاقي - الفضيلة والواجب والمنفعة وما شابه - أكثر من مجرد مثالية زائفة لعدم رضانا المزمن. يبدو الأمر وكأنما لم تظهر أي نظرية أخلاقية مادية حقيقية - لا نظرية هوبز ولا ماركس ولا نيتشه على سبيل المثال - إلى أن جاء فرويد وممثله الباريسي إلى المشهد. وعلى عكس هذه القيم المثالية الكاذبة فإن مذهبه الأخلاقي، بحسب كلمات جون راجمان «هو أخلاقي أو يبين الصعوبة التي نواجهها عند التعامل مع ما هو مثالي فينا، ومع ما يفترض أنه الخير فينا؛ ومن ثم بالصعوبة التي نواجهها مع روابطنا العاطفية مع أنفسنا وفيما بيننا.»
11
إن السعي نحو الحياة الخيرة وقضية الواجب الأخلاقي يجب أن يعاد تحديد موضعهما بالنسبة لمشكلة الرغبة. وسوف نرى بعد قليل أن هناك لمسة من المثالية الممجدة في البديل اللاكاني للخير والمفيد والمراعي للواجب الذي هو بطولة الرغبة؛ لكن يمكن أن نشير الآن إلى أنه إن كان ثمة خير أسمى فهو خير يجب في نظرية فرويد تحريمه. ومثلما يجد من يقعون في حب القانون أنه يحول بينهم وبين الخير، فكذلك الرغبة في الشيء الكبير المحرم - الاستهداف المباشر لخير مطلق - يعني استفزاز سيف القانون النقدي القاطع؛ ومن ثم نضع أنفسنا في المطاردة الذاتية الأبدية للقانون والرغبة والعدوان والذنب والاحتقار المميت للنفس والمتعة الممزقة للذات، والتي هي - إن جاز التعبير - حالة الخطيئة الأولى الخاصة بنا.
وكما يقول لاكان نفسه، فإن الرغبة لا تلمع إلا بالمقارنة بقانون هو في نهاية الأمر قانون الموت، فيوجد في الحياة ما يفضل الموت، وهنا - كما يصيب لاكان في تعليقه - نشارف على مكمن الارتباك الأبدي للاتجاه الليبرالي أو اليساري التقليدي؛ إشكالية الشر.
12
إلا أن النظام الواقعي بمعناه الأكثر إيجابية - بوصفه الإخلاص الأبدي للقانون الحاكم لوجودنا - يوجد في منطقة خارجية فيما وراء النظام الرمزي، وهذا هو السبب في قدرته على فك عقدة التوق والتحريم المميتة التي هي السر الأسود للنظام الرمزي. ونظرا لأن الرغبة الخاصة بالنظام الواقعي هي رغبة محضة إن جاز التعبير، رغبة في صورتها الأكثر بدائية، رغبة في ذاتها ولذاتها وليست رغبة في خير أسمى أو محتمل بعينه، فهي تستطيع التملص من القانون الذي يتدخل ليعاقب كل اشتهاء لأشياء معينة؛ حيث إن القانون بطريقته المتعاظمة يلاحظ في أي تطلع بريء تعطشا فاسقا للشيء الكبير المحرم. إذا فالقديس الشفيع لأي نظرية أخلاقية لاكانية - المكافئ في التحليل النفسي للقديسة تريزا، إن جاز التعبير - هو أنتيجون عند سوفوكليس، التي يحركها دافع نحو الخير يتجاوز كل خير، الخير الذي يتجاوز الأخلاق نفسها كما يفهمها الكاهن أو رئيس الوزراء، والخير الذي يصعب من ثم على فلاسفة الأخلاق المحترمين لذاتهم في هذا العالم أن يميزوه عن الشر.
ناپیژندل شوی مخ