مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
ژانرونه
إن حوار أنجيلو مع إيزابيلا لم يكن أولى مواجهاته مع قوة الرغبة المدمرة، مهما كان ما يظنه بنفسه. بل على العكس، فإن الأفعى كانت في الحديقة متربصة به منذ البداية. وقد أصابه سمها بالفعل في صورة رغبته المرضية في الهيمنة، الذي كان فرويد بلا شك سيرصد فيها شبح دافع الموت. كما يمثل أنجيلو الافتتان بالأنا العليا بغضبها العاصف المدمر الساعي للنظام، وخوفها العصابي من أنه لولا التعريفات الدقيقة والأسس الصلبة فسينهار العالم في حالة من الفوضى. فنفس القوى التي تسعى للسيطرة على الفوضى تحبها سرا؛ لأن المحرك الخفي لها هو دافع الموت؛ فالدافع وراء النظام في داخله فوضوي، فهو مستعد لإخضاع العالم للعدمية المطلقة؛ فالأنا العليا - كما أوضح فرويد - تستمد قوتها الانتقامية المخيفة من الهو الجامح.
لهذا يمكن أن ينهار أنجيلو دون عناء يذكر من السلطوي الزاهد إلى المعتدي الشهواني. نفس الأمر ينطبق على القانون، أو بالأحرى أي نظام للتبادل الرمزي؛ فلأن هذه الأنظمة التبادلية الرمزية صارمة التنظيم فهي تميل للاستقرار؛ لكن لأن القواعد التي تحكمها يمكن أن تستبدل أي شيء بآخر دونما مراعاة لطبيعتيهما الخاصة فمن الممكن أن تنتج حالة من الفوضى يشوش فيها كل شيء على الآخر دون تمييز، ويبدو النظام كما لو كان منشغلا بالمعاملات لأجلها في ذاتها. فهناك شيء ما في بنية الاستقرار نفسها يهدد بتدميرها. وهذا هو الحال مع النظام الرمزي الذي من أجل أن يؤدي دوره بكفاءة، يجب أن يتيح تبديلات مرنة بين أدواره المختلفة؛ ومن ثم لا يمكنه تجنب الاحتمالية الدائمة لوقوع زنا المحارم، فمن دون هذا الخطر المرعب في قلب النظام فلن يتمكن من أداء دوره.
تمتلئ مسرحية «الصاع بالصاع» بأعمال التبادل الرمزي، مع حركة الأجساد بلا توقف، فأنجيلو يمثل الدوق، وتمثل إيزابيلا التماس أخيها لرحمته، في الوقت الذي يمثل الدوق نفسه من خلال تحركه وسط الناس متخفيا. ويريد أنجيلو أن ينال جسد إيزابيلا مقابل جسد كلاوديو، لكن ينتهي به الحال مع ماريانا التي تحل محل إيزابيلا في فراشه. وترمز رأس بارناردين المقطوعة لرأس كلاوديو، لكن بما أن بارناردين متبلد بدرجة أكبر من أن يعدم تستبدل برأسه رأس راجوزين في اللحظة الأخيرة. ويستخدم أنجيلو كلاوديو كمثال لكل الآثمين المحتملين الآخرين، وبذلك يحوله إلى رمز عام، وهو الذي «جعل خطية» - كالمسيح - من أجل الآخرين.
ويكون التوزيع النهائي للأجساد في مواضعها الصحيحة في مناسبة الزواج، الذي به - كما يناسب الكوميديا - تنتهي المسرحية. فالأجساد نوع من اللغة، يمكنها أن تخدع (كما في حيلة الفراش مع ماريانا) أو تساعد، كالكلمات، باعتبارها وسيلة سلسة للتواصل. تتعلق المسرحية بحقيقة الكلام وحقيقة الجسد، فالاقتران السليم للأجساد في الزواج يوازي الارتباط المتناغم بين الكلمات والأشياء. ومن هذا الوجه يعد أنجيلو صورة مرعبة في خستها للدوق، بينما يظهر إلبو الاقتران غير الملائم الذي تتيحه اللغة بين الدوال والمدلولات. فكما نشعر بقوة القانون من خلال انتهاكه، لا يمكن أن يكون هناك صدق من دون الاحتمال الدائم للكذب أو الخطأ في الحديث، فتمثيل الآخر يتضمن نوعا من قيمة التبادل؛ ومن ثم يتضمن الاختلاف والتطابق معا؛ في حقيقة الأمر، المسرحية غنية بصور لشخص يتقمص أو يتلبس أو يتشبه بشخص آخر. فكما أن العدالة يجب أن تضبطها الرحمة، فدائما ما سيكون هناك بعض الانحراف أو الفجوة بين الصورة والشيء المصور، ففي المرحلة التي يمكن أن نسميها مرحلة ما قبل السقوط - كما رأينا - يقترب أنجيلو من إغلاق تلك الفجوة، حيث يرى أنه ليس إلا حاملا لراية القانون. لكن التفاوت بين الرجل ودوره جاء في حالته بدرجة شديدة، فالحالة الوحيدة للتطابق التام بين صورة الشيء والشيء تكون في تمثيل الذات، والذي يعد المكافئ السياسي له هو الديمقراطية.
وهذا سبب آخر يفسر ولع مسرحية «الصاع بالصاع» الشديد بالطوطولوجيات («النعمة هي النعمة» و«الحقيقة هي الحقيقة» وغيرها) حيث إنها تتملص من قيمة التبادل، وإن كان بطريقة لا قيمة لها. إن هذا التشوش أو بقايا الاختلاف بين عناصر التبادل هو ما يفسح المجال للرحمة، فبينما كان أنجيلو في البداية متطابقا تماما مع دوره العام، يعلم الدوق أن الذاتية لا يمكن أن تتطابق مع مضمونها؛ إذ ثمة فجوة بين الدور الرمزي للقاضي والفرد الذي يؤديه، وهي حالة خلاقة من عدم التطابق تسمح للرحمة بأن تلطف صرامة القانون. إن انعدام التطابق الحقيقي في التبادل يتضح بقدر كاف في ختام المسرحية واضح التكلف، الذي يعد فيه توزيع الأجساد بالزواج غير ملائم، حتى إن شكسبير يزوج إيزابيلا للدوق، فيما يبدو أنها نزوة للكاتب أكثر منها منطقا دراميا.
ترى النظرية اللاكانية أن النظام الخيالي والنظام الرمزي والنظام الواقعي تتداخل وتتشابك معا، فبعض أشكال طور المرآة على سبيل المثال ترى أن الاختلاف الرمزي ينتهك فعلا التطابق الخيالي في صورة الأم، التي يراها الطفل إلى جانبه في المرآة. علاوة على ذلك رأينا بالفعل أنه يوجد رعب صادم في لب النظام الرمزي، وهو ليس زنا المحارم بل هو الحضور الشبحي للنظام الواقعي. ليس من الغريب إذا أن كانط - المناصر والممثل بامتياز للأخلاق الرمزية - كان ينبغي أن يعتبر أيضا فيلسوفا أخلاقيا للنظام الواقعي، وذلك كما سنرى في الجزء القادم.
هوامش
الجزء
سطوة النظام الواقعي
تمهيد: الرغبة المحضة
ناپیژندل شوی مخ