49

مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

ژانرونه

تقوم الأخلاق عند هذا الفيلسوف السويسري كما عند فلاسفة العاطفة البريطانيين على النزعة للشفقة والتعاطف السابقة على النزعة الاجتماعية والعقلانية، فهو شأن شعوري لا عقلي؛ إذ ليست القضية - كما يتابع سميث - أن أنظر إلى ما قد أشعر به في موضعك، وهو موقف يفتح باب المخاطرة بالتحول لأنانية، بل أن أحل محلك تماما «متبادلا شخصي وصفتي» معك فتصير تجربتي متوقفة كليا على تجربتك، «فحزني إذن لا يرجع إليك كليا، ولا يرجع إلي إطلاقا. إذن، فهو ليس أنانيا على الإطلاق» (323). وهذا ربما ما يقصد بالتقمص العاطفي لا التعاطف، وإن كان الفارق أبعد ما يكون عن الوضوح.

من الصعب مع ذلك أن نرى كيف لهذا الطرح أن يكون محكما؛ إذ إنني إن انتقلت إليك كاملا فلن يبقى هناك «أنا» باقية لتشعر بما تشعر به، فحزني لا يمكن أن يرجع إليك كلية حيث إنني لا يبقى لدي أي حزن، فتبادل الهوية معك لن يمنحني مدخلا لتجربتك، فإن صرت أنا أنت تماما، فليس من المنطقي أن أزعم أني أشعر بما تشعر به. قد نفترض حالة ما ترتبط فيها ذاتان معا فتشعر كلاهما بأحاسيس الأخرى بالضبط. ويخطر بالبال تصور فتجنشتاين الساخر لتوصيل شخصين سلكيا بآلة ليشعر كلاهما بنفس الألم. (لكن بأي شكل يكون نفس الألم؟) إلا أن طرح سميث كان طموحه أبعد من ذلك؛ لأنه إن تقمص فرد شخصية فرد آخر بصورة كاملة فإننا لن يمكننا أن نتحدث بعدها عن ذاتين اثنتين مختلفتين مهما كانتا متقاربتين، فمفهوم التعاطف ينهار بالكلية عند المبالغة فيه إلى الدرجة القصوى. إنه لغز طرحته قصيدة «قصيدة إلى عندليب» التي نظمها كيتس التي فيها ينتفي الفرق بين كائنين حيين عبر تقمص عاطفي يبلغ في حدته أن يتصور إغراء عدم الاكتراث بالموت.

إن الجهد المنطقي المبذول في طرح سميث خانته التناقضات العديدة الموجودة في عرضه؛ إذ يكتب: «رغم أن التعاطف يقال - على نحو صحيح - إنه ينشأ عن التبادل الخيالي في المواقف مع الشخص المعني في الأصل، فإن هذا التبادل الخيالي ليس من المفترض أن يحدث لي بذاتي وصفتي بل في ذات الشخص الذي أتعاطف معه» (323). لكن كيف يمكن لشخص أن يصبح شخصا آخر دون المعاناة من ذاك التحول الكبير الذي هو تصفية النفس؟ ويتابع سميث الذي لم توقفه تلك العقبة ليصر على أنه «من أجل أن أدخل في حزنك فإنني لا أنظر إلى ما سأعانيه وأنا بشخصيتي ومهنتي إن كان لدي ولد وهو على وشك أن يموت بكل أسف، بل أنظر إلى ما سأعانيه إن كنت حقا مكانك ...» (323). إذن لا تزال ثمة «أنا» منفصلة يدور الحديث عنها هنا، إلا أنها لا تكاد تظهر إلا وتختفي من جديد: «فأنا لا أتبادل الظروف معك فحسب، بل أتبادل الذات والشخصية» (323). فتأملي لما سأعانيه - إن كنت مكانك - ليس كأن أسكن شخصيتك. ماذا إذن عن التحذير من أن أي تطابق تام مع مشاعر شخص آخر يفوق قدراتنا؟

ثمة مفارقة تتسم بها فكرة التعاطف؛ حيث إنها تتضمن الدخول في تجربة شخص آخر مع الاحتفاظ بقدر كاف من القدرة العقلانية الخاصة بالفرد نفسه لتقييم ما يجده فيها، فالمسافة الإدراكية التي تتطلبها مثل هذه الأحكام تتعارض مع جوهر الأخلاق الخيالية. لا يمكن للتعاطف أن يكون تلقائيا بالكامل؛ إذ يحتاج لمعرفة حيثيات الشيء الموجه إليه، فيبدو أنه يقسم النفس إلى اثنين، حيث يدخل نصف في الشيء الآخر بينما يبقى النصف الآخر في الخلف ليقيم النتيجة. إلا أن هذا طرح فاتر جدا بالنسبة إلى سميث الذي يتصور كما رأينا شكلا أكثر تشددا من التجرد الذاتي ؛ إذ يقر بأن الفكر والقدرة على إصدار الأحكام يؤديان دورا حيويا في عملية التبادل العاطفية كلها، فمن دونهما لن نتمكن من التعرف على الآخر من الأساس فضلا عن تسمية ما يشعر به. لكن هذا يبدو غير متسق مع حلمه بالتعاطف الكامل الذي تبدو فيه قدراتنا العقلية ممحوة. يتميز هيوم - الذي رأى أن فكرة الإسقاط الذاتي الخيالي في شخص آخر لا أساس لها - بالفطنة أكثر من سميث بكثير في هذه المسألة؛ إذ يشير إلى أنه حتى إن كان الإسقاط الذاتي هذا ممكنا، «فلا يمكن للخيال أيا كانت سرعته أن يعيدنا فورا إلى أنفسنا ويجعلنا نحب الشخص ونقدره باعتباره شخصا آخر.»

21

كما يجب أن يوظف الفكر من البداية؛ بمعنى أن التعاطف الحقيقي يتطلب بعض المعرفة بالسياق، فعندما نقول «أعرف شعورك» فإننا نقصد عادة «أدرك أن عاطفتك هذه عاطفة امتعاض شديد.» كما أننا نشير ضمنا إلى أننا نعرف شيئا عن الظروف التي سببت هذا الشعور في المقام الأول، وربما نقول إنه شعور مبرر. يعلق سميث بأننا عند رؤية إنسان آخر في كرب فإننا «نشعر بنفوره واشمئزازه من الشيء الذي سبب كربه» (288). إلا أنه يصر في موضع لاحق على أننا لا نتعاطف مع قاتل يقف أمام المشنقة. وليس صحيحا - كما يزعم العاطفيون عادة - أن سرور الآخرين يشعرنا دائما بالرضا، أو أن كربهم مصدر ألم دائم لنا في كل الأحوال، فالمسألة ليست مجرد الفرح لمصيبة الغير، بل هي أيضا مسألة تتعلق بالظروف. وهي نقطة أدركها سميث بصورة أكبر من زملائه؛ فقد نظن أن بؤس شخص ما مستحق أو أن حسن حظه غير مستحق بدرجة تثير الغضب، أو أن حزنه فيه استعراض مشين؛ فالأحكام الأخلاقية تتعلق برفض تعزيز الحالة العاطفية للآخرين بقدر الإسراع لتدعيمها؛ فالتعاطف لا يحمل قيمة في ذاته، فليس ثمة مكافأة لمن يتعاطفون مع لذة مرتزقة غارقين في نوبة قتل. ولم يكن هيوم وهتشسون ليتصورا وجود هذه المكافأة؛ فالأفعال النافعة عندهم هي ما تثير الاستحسان والابتهاج لدينا. لكن ثمة تحيز لصالح الاستجابات التلقائية في ضوء هذه الأخلاق الخيرية، وهو ما يتسم بالعاطفية بالمعنى الحديث للكلمة؛ إذ لا يمكننا مدح الحالات النفسية أو ذمها قبل أن نعرف أسبابها وسياقها، وفي سبيل هذا نحتاج لما هو أكثر من حدس داخلي.

يولي سميث أهمية كبيرة لنظرة الآخر، فهو مولع بنظرتي لما يراني عليه الآخرون، وهو ما قد نسميه من الناحية المتخصصة الأنا المثالية، تماما مثلما يسعى الآخرون لأن ينظروا إلينا بأعيننا، تصير أعينهم مرايا تعكس لنا مشاعرنا من جديد. ويرتبط هذا التبادل للنظرات بما يسميه فالتر بنجامين بالهالة، وهي تشمل من بين أشياء أخرى الإحساس بالأشياء وهي ترد إلينا نظراتنا. وهي تتعارض بهذا المحمل مع حقبة الإنتاج الميكانيكي التي لا ترتد فيها نظرتنا إلينا عادة: «إن ما يعتبر لا إنسانيا بالضرورة - بل الأقرب إلى الموت - في التصوير الداجيري» كما كتب «هو الإمعان (المطول) في آلة التصوير، حيث تسجل آلة التصوير مظهرنا من دون أن ترجع لنا نظرتنا. لكن النظر إلى شخص يحمل في طياته توقع لأن يبادلنا من ننظر إليه النظر. وعندما يتحقق هذا التوقع ... فإننا نلمس هذه الهالة إلى أبعد مدى.»

22

فالأشياء ذات الهالة، كما الورد في «الرباعيات الأربعة» لتي إس إليوت، تتخذ شكل الأشياء المنظور إليها. ويجد موريس ميرلو-بونتي أعمق معاني النرجسية في إحساس الرسام بأنه ينظر إليه من خلال الأشياء التي يرسمها.

23

ناپیژندل شوی مخ