مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
ژانرونه
إن ما يرفضه هو ما يطلق عليه سلافوي جيجك بفظاظة مماثلة «التسيير المرن للأمور في عالم الوجود»،
32
كما لو أن أي شيء آخر غير أخلاق النظام الواقعي يعد ببساطة شكلا مملا من الإدارة التقليدية. يعلق هالوورد قائلا: «بالنسبة لباديو، وكذلك للاكان وجيجك، تشكل الذات لا يبالي على نحو أساسي بتسيير الحياة ومتطلباتها في حد ذاتهما.»
33
إنها تبدو كنوع غريب من الأخلاق يرى أن تسيير الحياة أمر قليل الأهمية. وبدلا من تلك الأهداف القليلة القدر، اقترح باديو نفسه أخلاقا تقوم على «الإصرار الخارق»، تلك التي تتلخص في شعار «لا تتراجع!» أو «حافظ على التزامك!» والتي تشتمل على ما هو أكثر من صدى لشعار لاكان «لا تتخل عن رغبتك.» (إن باديو يعتبر لاكان «أعظم من رحلوا عن عالمنا».) وفي كلتا الحالتين، إنها أخلاق تعد كمحاولة أخيرة وخط دفاع أخير صارخ في وجه عالم يرى الآن أن حالته ميئوس منها على نحو مزمن. ومن ثم فإن دعوات الاستنفار هذه التي تبدو عمومية لها شروطها التاريخية الخاصة بها.
إن التمسك بحدث الحقيقة بالنسبة لباديو - كما هو الحال بالنسبة لباسكال الذي كان باديو معجبا به - مسألة إيمانية خالصة. وفي لمحة من العفوية الماوية، تعد المعرفة والتأمل عدوين للإيمان، وليسا من العناصر الأساسية العاملة على تقويته. كما أن التحليل والممارسة السياسية يجب أن يظلا منفصلين. تعد الأخلاق علاقة حية مع الحقيقة، وليست مسألة تحديد ما يجب على المرء فعله. إن الحقيقة في حد ذاتها بدهية وليست تداولية؛ وهي دوجماتية كان من الممكن أن يتفق معها ماو بشدة. إنها لا تتعلق كثيرا بالتأمل، وتوجد على أقصى حدود المعرفة. وهكذا، تصبح لدينا مجموعة من التقابلات الصارخة والقابلة للتفكيك على نحو بارز: الحقيقة (أو الإيمان) في مقابل المعرفة، والسياسة في مقابل الحياة اليومية، واللاتناهي في مقابل التناهي، والحدث في مقابل الأنطولوجيا، والصدفة في مقابل النظام، والذات في مقابل الموضوع، والتمرد في مقابل التوافق، والاستقلالية في مقابل السببية، والسمو في مقابل الحلول التاريخي، والأبدية في مقابل الزمن. وحيث إن كل أحداث الحقيقة معرضة للخطر الوشيك المتمثل في تحييدها أو استيعابها من قبل العقائد الاجتماعية، فيمكن أن نضيف ثنائية أخرى مألوفة قدمها ماكس فيبر للأقطاب السابقة، ألا وهي: الكاريزما والبيروقراطية.
كما هو الحال بالنسبة لدريدا - وفي واقع الأمر، بالنسبة للفكر الما بعد حداثي بوجه عام - يتفق باديو مع الزعم السخيف القائل بأن كل العقائد مستبدة، وكل وسائل التوافق خانقة، وكل البدع يجب أن يرحب بها. غير أنه من الصعب معرفة السبب وراء ضرورة الهجوم على الاعتقاد القائل بأن العمال يحق لهم في بعض الأحيان الامتناع عن العمل، تماما كما هو من الصعب معرفة ما هو مستنير على وجه التحديد فيما يتعلق بالمرتدين العابدين للشيطان. إن هؤلاء الذين من المفترض أن ينظروا بحياد للتقابلات الثنائية يجدون أنفسهم في النهاية أمام نظام سياسي مشيطن من جانب ومعارضة مبدعة على نحو أصيل على الجانب الآخر. إن الحقيقة قائمة دائما على التضاد. وإذا كان بإمكانها تنصيب نظام سياسي جديد، فهي لا يمكنها إحداث تغيير سياسي عام. يرى باديو أن عصر الثورات انتهى. إن الوضع السياسي القائم يمكن تحسينه وليس تغييره بالكامل، وهو افتراض ربما كان سيستقبله قادة الاتحاد السوفيتي في أواخر ثمانينيات القرن العشرين بشيء من الدهشة. إن باديو، في تأييده للتغيير الجزئي دون التغيير الكلي، يتفق مع النظرية الما بعد حداثية التي يمقتها. إنه أيضا يتفق مع لاكان ودريدا فيما يمكن أن نطلق عليه المغالطة الطليعية؛ وهي الاعتقاد بأن البدعة الجذرية يجب دائما تثمينها؛ لأنها تخرج عن ماض ينظر إليه على نحو مشوه على أنه عقيم من كافة الجوانب. إن هذا التحطيم الفج للمعتقدات التقليدية، في تفريقه الساذج ببين التقليد والابتداع، يتجاهل القوة التجديدية للماضي ويغفل الطبيعة المدمرة للإفراط في التجديد. لا يوجد شكل من أشكال الحياة أكثر ابتداعا وتخريبا وإخلالا بالنظام من الرأسمالية. إن هذا الفكر، رغم كل تمجيده للتنوع والتمايز، يرى أن كلا من الماضي والحاضر موحدان على نحو مخيف، وخاليان على نحو إعجازي من التناقض الداخلي. إن الفلسفة التي تمجد السياسة هي بالتالي عرض لأزمة السياسة. إن كل القيم متسامية وليست محايثة. وفي دوجماتية الانحراف، تنبع كل حقيقة أصيلة من استثناء للقاعدة. إننا لسنا بعيدين عن التمجيد الرومانسي السخيف للعبقري العنيد (لينين وروبسبيير وسيزان) الذي يخرج عن المألوف ويكسر كل القوالب.
إن باديو، في رفضه لأخلاق الآخر الكبير، يتخذ موقفا عدائيا غير مألوف تجاه سياسة التماثل. إن الأخلاق باعتقاده قد حلت في عصرنا محل السياسة، حيث حلت أيديولوجية خيرية زائفة قائمة على المظلومية والغيرية والهوية وحقوق الإنسان محل المشروعات السياسية. (ربما كان سيضيف باديو أن البديل الكبير الآخر للسياسة في عصرنا يحمل اسم الثقافة.) إن شيوع اصطلاحي الاختلاف والغيرية يعكس ما يسميه باديو «الإعجاب الشديد» بالتنوع الأخلاقي والثقافي، في حين أن تيار حقوق الإنسان يقسم العالم إلى: ضحايا لا حول ولا قوة لهم، ومحسنين معتدين بأنفسهم. وحيث إن التعددية الثقافية لا تحترم إلا الآخر «الصالح» (أي، الشخص الذي يشبهني إلى حد كبير)، فإنها لا تحترم أي آخر على الإطلاق. وبهذا المعنى، تبقى محصورة في النظام الخيالي؛ فهي لا تستطيع احترام اختلاف هؤلاء الذين لم يستطيعوا احترام اختلافاتها المقدرة لديها. يوجد قدر كبير من الحقيقة في هذه الحالة، وكذلك من المبالغة الفرنسية الطابع. وفي عودة جريئة لفكرة العمومية، وهو أمر لم يكن شائعا بين أهل الفكر الباريسي، يزعم باديو بدلا من ذلك أن الاختلاف أو الغيرية هي علامة على الوضع الراهن، وأن الكفاح الحقيقي هو كفاح من أجل تحقيق التماثل. إن مهمة السياسة، باختصار، هي ما كانت عليه منذ بدء حركة التنوير الجذرية، وهي مقاومة المصالح الخاصة الظالمة باسم العمومية الثورية. إن مفهوم باديو عن العمومية، بالتأكيد، متفرد بالقدر الكافي؛ فنطاق العمومية عنده لا يمنح وإنما يبنى؛ فهو ليس حقيقة مسلما بها وإنما عملية ذاتية. بهذا المعنى، كل ما عمومي استثنائي، مثل نتاج القرار الذاتي. لكن عداءه للاعمومية ليفيناس ودريدا وليوتار وفوكو يظل ثابتا؛ فهو يرى أن الفلسفة دائما ما تؤسس نفسها في مواجهة السفسطة؛ بداية من مجادلات أفلاطون مع بروتاجوراس إلى خلاف كانط مع هيوم؛ ويعد أنصار ما بعد الحداثة ببساطة آخر ممثلي تيار السفسطة الذين يجب مجادلتهم.
إن تلك الجوانب العمومية والمساواتية في فكر باديو هي ما تربطه بالأخلاق الرمزية. إن الحقائق واحدة لدى الجميع، ويمكن لأي شخص أيا كان أن يعبر عنها. وهي تتعارض مع كل الاعتقادات المحلية والعرقية والمجتمعية. غير أنها في حد ذاتها فردية على نحو عنيد. وهناك في حقيقة الأمر عدد هائل منها بقدر عدد الذوات البشرية. وبخلاف حقائق النظام الرمزي؛ فهي غير نظرية أو افتراضية أو تحكمها القواعد، لكنها تشبه الحدث وغير مفاهيمية وملهمة ومكونة للذات. فالحقيقة كيركجاردية أكثر من كونها كانطية. بهذا المعنى، النظام الرمزي والنظام الواقعي متحدان؛ فالحقائق تنتمي للنظام الواقعي، لكن يجب تعميمها من خلال إجراءات محددة تتم عبر النظام الرمزي. بالنسبة لباديو في دراسته الصغيرة الرائعة «القديس بولس: تأسيس العمومية»، فإن العلاقة بين المسيح والقديس بولس تعد رمزا لهذا الاتحاد؛ حيث إن الجانب الواقعي لصلب المسيح وقيامته - الحدثين المستغلقين على النظرية والمعرفة والخطاب الأخلاقي والرمزية وما شابه - يروج له بولس باعتباره عقيدة عمومية. وهكذا، يظهر شكل جديد من النظام الرمزي أو الكنيسة، كل أعضائه متساوون ومتماثلون في المسيح، يتجاوز بعنف فروق النظام الرمزي التقليدية الخاصة بالجنس والقرابة والطبقة الاجتماعية والعرق. إنه بهذا المعنى يطلق أول حركة عمومية حقيقية في التاريخ الإنساني، وكذلك أكثرها استمرارا عبر الأمم والقرون. إن النظام الرمزي يواجه النظام الواقعي عن طريقة إعادة تشكيله حسب صورته وهيئه؛ فالكنيسة المسيحية تنشئ من النظم الاجتماعية الحالية شكلا جديدا من الاجتماع، ينبني حول الجانب الواقعي لموت المسيح وبؤسه.
وخلافا لأنصار ما بعد الحداثة والتعددية الثقافية، يتبنى باديو اللامبالاة التي يبديها كانط تجاه الخصوصية؛ غير أنه في نفس الوقت يجرد هذا التوجه الكانطي من معاييره والتزاماته. لقد رأينا نسخة انتقائية مماثلة من الفكر الكانطي في حالة ليفيناس. إن فكر باديو مزيج مثير من العقلانية التنويرية والإيمان الرومانسي بالحقيقة باعتبارها وحيا ساميا. لكن هناك وجها يختلف فيه هذا المفهوم للحقيقة عن ذلك الخاص بأنصار الواقعية الأخلاقية الذين يفضلون الاضطراب على الاستمرار، غموض الوحي على الاستمرار المخيف للتاريخ؛ إذ إن الغرض الأساسي لنظريته الأخلاقية هو محاولة العيش في إخلاص دائم لحقيقة ملهمة - أو «التزام الاضطراب»، بحسب قوله - ومن ثم الجمع بين الاستمرار والتجديد. إن الظهور القوي للحقيقة يجب أن يصاحبه استقرار وضع الأخلاق. وبهذا المعنى، يختلف فكر باديو عن فكر الراديكاليين الذين تعد المشكلة بالنسبة لهم هي ما الذي يجب فعله عندما ينتهي الإضراب العام، أو عندما تستهدف الساعات الجدارية العامة أو عندما ينتهي الحدث الدادي تقريبا بمجرد أن يبدأ، أو عندما يتلاشى الوحي أو عندما لا تكون المتعة سوى ذكرى جميلة ترجع لمنتصف العمر. وعلى عكس هؤلاء المتحررين من الوهم، يرغب باديو في إدخال الأبدية في الزمن والتوصل لكيفية الانتقال من حدث الحقيقة إلى الحياة اليومية، وهو ما نطلق عليه بوجه عام اسم السياسة. إن هؤلاء الذين يصرون على عدم الارتباطية المحضة للحدث، مما يعني فصله عن تبعاته الزمنية في النظام الرمزي، سيجرى تجاهلهم باعتبارهم «متصوفة».
ناپیژندل شوی مخ