مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
ژانرونه
إن هذا الإخلاص للحدث الذي يطرح نظاما جديدا للحقيقة هو ما يعنيه باديو بما هو أخلاقي. فهو، كما هو الحال بالنسبة للفضل الإلهي، دعوة متاحة للجميع، وبهذا المعنى، يمجد باديو المساواة والعمومية الخاصتين بالنظام الرمزي. لكن بما أن الحقيقة التي يراهن المرء بوجوده عليها دائما ما تكون فردية وصادمة ولا محدودة ومغيرة ويتعذر وصفها في النهاية، فهي تنتمي للنظام الواقعي. وهي تشترك مع النظام الواقعي كذلك في عزلتها البروتستانتية القاسية. وكما أن الذات اللاكانية للنظام الواقعي توجد عند حد متطرف ولا اجتماعي، رافضة الاعتدال المغري في مجتمع المدينة، فإن فارس الإيمان عند باديو عبارة عن فردية خالصة. وهذه الحالة ليست حالة أخلاقية فقط بل هي حالة أنطولوجية. إن من بين الجوانب الأكثر إثارة للجدل في فكر باديو هو إصراره على عدم ارتباط الذوات - على انتشارها العشوائي وتقاطعها - بالصدفة ومواجهاتها العفوية ومقاومتها للاتصال المنظم. قد تتعاون الذوات البشرية في نوع من «الوجود الجمعي» أو «شيوعية من الفرديات» لكن الذوات البشرية لا ترتبط معا بصورة تكوينية. إن باديو يؤمن بالجماعات؛ لكن إعطاءها تسمية وشكلا معينا طالما يمثل دائما كارثة سياسية في نظره. وفي لمحة لا بنيوية، فإنه يرى أن عناصرها المتمايزة وليس الروابط بينها هي ما يحظى بالأولوية. وليس من العجيب أن فيلسوف الحدث معجب بجيل دولوز.
ونتيجة لهذا الولع بالتمايز، نلاحظ أن باديو الناشط اليساري معاد لفكرة وجود «نظام» رأسمالي عالمي تماما مثل معظم المعلقين السياسيين غير المستنيرين؛ فنظرته للعزلة المنقطعة للكينونة نظرة حداثية تقليدية. ويمكن قول الشيء نفسه عن أبطال لاكان الأخلاقيين في المستوى الواقعي؛ عن نماذج أوديب وأنتيجون الذين يوليهم هذا الثناء. إن الحقيقة - شأنها شأن الرياضيات أو الشعر الرمزي - قائمة بذاتها ومكونة لذاتها ومؤصلة لذاتها ومرجعيتها ذاتها؛ فهي منفصلة عن مجالات الطبيعة والتاريخ والبيولوجيا الدونية، شأنها شأن السياسة التي تمثل عند باديو الماوي السابق علاقة بين الإرادة والروح، بين القرار والاستثناء، والقناعة البديهية، بعيدا عن النطاقين الدنيوي لعلم الاجتماع والاقتصاد؛ فالسياسة مرتبطة بالذات لا بتنظيم إمدادات الطعام. وكما يشير بيتر هالوورد، فإن باديو لديه تصور «رفيع» عن السياسة؛
29
تصور مقترن بكراهية يسارية متشددة للاتحادات العمالية والأجندات الاجتماعية السياسية والديمقراطية الاجتماعية وغيرها من الظواهر غير البراقة نظريا؛ إذ يجب على المرء - على الطريقة البولسية الحقة - ألا يتماهى مع العالم؛ وهي عقيدة تتحول على يد باديو إلى الصفائية اليسارية المتشددة؛ فالقديس بولس على الأقل كان لديه سبب لامتناعه عن هذا التماهي؛ فهو كالكنيسة القديمة بوجه عام كان يؤمن حتما بأن الظهور الثاني للمسيح وشيك، وهو حدث كان ليقضي على الممارسة التاريخية لأنه سيهدم التاريخ نفسه. وهذا هو أحد أسباب عدم اشتمال العهد الجديد على مفهوم حقيقي عن العمل السياسي؛ فالزمن فيه ببساطة غير موجود. بل يبدو أن المسيح نفسه كان يعتقد أن التاريخ سيصل إلى نهايته في حياة بعض من تلامذته.
صحيح أن باديو نفسه استمر في مسعاه كناشط سياسي؛ لكننا نتذكر دريدا في عمله «أطياف ماركس» ورغبته في وجود ماركسية دون عقيدة أو برنامج أو حزب أو تطرف أو مؤسسات. إن هذا أشبه بأنجليكاني ليبرالي متطرف يبحث عن مسيحية متحررة من الأمور المربكة مثل الرب والمسيح والجنة والجحيم والخطيئة والتوبة. إن أقصى ما يمكن أن يصل إليه دريدا هو ماركسية بلا اسم؛ اشتراكية يملؤها الشعور بالخزي تتبرأ من جرائم أسلافها فقط من أجل أن تكون فارغة سياسيا. إن هذا يذكرنا بالحلم الرمزي بالقصيدة المثالية، تلك التي لا تتلوث بالعالم الفاسد لدرجة أنها لا تكون سوى ورقة خالية. إن أهل الفكر اليساري الفرنسي، في عدائهم المرضي لما هو وضعي، ظلوا محبطين بسبب ذنب الستالينية وظل الفاشية. بالنسبة لباديو، لا يمكن للمرء أن يقول كل الحقيقة، كما لا يجب عليه ذلك، كما لو أن أي إعلان كامل عن الحقيقة يجب أن يكون لا محالة استبداديا. أما بالنسبة لدريدا، فيمكن للمرء أن يطرح الحقيقة؛ لكن فقط في خوف ورعدة وسخرية وتقويض للذات. إن هذا الشكل من التحفظ (الذي يمكن للمرء أن يزعم أنه ينطبق أيضا بدرجة ما على أدورنو) يمكن أن يشيد بطريقة غير مباشرة بضحايا الاستبداد؛ لكن من الصعب تحديد كيف يمكن أن يساهم في منع تكرار حدوثه. بهذا المعني لا تعد إشادته إقرارا بقدر ما هي نوع من المواءمة.
أقام باديو فكرته عن اللاتناهي اعتراضا على الحسابات الحقيرة للمصالح الاجتماعية. إن عداءه تجاه المصالح الإنسانية هو أحد الأمور التي ظل فيها مخلصا لفكر كانط، الذي يعد - للمفارقة - الرسول العظيم للتناهي الإنساني. إن العدالة مسألة متعلقة بالخلود وليس بالتناهي. إن الحدث يبدأ الزمن الخاص به، وهو زمن منفصل تماما عن التاريخ العادي. إن الحقيقة في هذا المنظور المتسامي على نحو عميق تكون في عداوة شديدة مع ما هو معطى وغير مبالية على نحو كبير لما هو محسوس أو تجريبي. إن باديو في هذه النقطة أيضا متفق مع كانط؛ فالأخلاق يجب أن تنفصل عن الطبيعة الحيوانية للإنسان. ربما يكون باديو معجبا بالفردية، ولكن لديه نفورا أفلاطونيا من الخصوصية. إن الأخلاق الطبيعانية، تلك القائمة على التناهي والجسد من ثم ترفض بقوة أخلاق اللاتناهي؛ أي: هذا الالتزام العنيد تجاه أحد أحداث الحقيقة الذي يسمو بنا فوق طبيعتنا الحيوانية، وبفعله لهذا، يمثل نوعا من الخلود. إن هذه أخلاق عالم رياضيات ، وكذلك متبن سابق لفكر ألتوسير. لكن هناك أيضا لمحة كانطية في الاعتقاد بأن الأخلاق متسامية؛ أي أن حقيقتها تقودنا فيما وراء الطبيعة إلى مكاننا في الأبدية.
كما هو الحال بالنسبة لليفيناس ودريدا، يجد باديو أن الأخلاق تكبح جماح الفضيلة اليومية. ورغم معارضته الشديدة لفكرهما (إذ هاجم بعنف واقتضاب رؤيتهما للآخر الكبير في عمله «الأخلاق» وقال عنها إنها «فاسدة»)، فإن جوانب من نظريته تتوافق كثيرا مع أفكار كبيري دعاة الغيرية اللذين كان وقحا معهما بشدة دائما. ورغم كل نقده لهما، فهو يشاركهما بغضهما الراسخ للنظرية والتوافق والمعرفة والمجتمع والقانون والمصالح والفكر الإصلاحي والحسابات والحقوق المدنية والإحسان والمسئوليات المدنية والعقائد الاجتماعية وباقي هذه الأمور المألوفة. تهتم السياسية بالذات الإنسانية، وليس بحقوق الإنسان أو الديمقراطية الجماهيرية أو الاقتصاد.
30
إن كل مساعي التوافق، كما يلاحظ باديو، تسعى لتجنب الانقسام، متناسية على نحو ملائم التضامن الذي أطاح بالفصل العنصري والستالينية الجديدة. إنه أيضا يشترك مع زميليه الباريسيين في نظرتهما القاتمة للمتعة والسعادة والرفاهية والمنفعة والعاطفة. وكما هو الحال بالنسبة للاكان، وكما يشير بيتر هالوورد، فإن باديو يرفض «كل المعايير الاجتماعية المتوافق عليها (السعادة والمتعة والإيمان وغيرها) من أجل استثناء لا اجتماعي وصادم بنحو أساسي.»
31
ناپیژندل شوی مخ