مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
ژانرونه
إن أحداث الحقيقة، كما يدعوها باديو، تأتي بأشكال وأحجام متعددة، بداية من قيامة المسيح إلى اليعقوبية، من الوقوع في الحب إلى الاكتشاف العلمي، من الانتفاضة البلشفية إلى المدرسة التكعيبية، من مقطوعات شيونبيرج اللامقامية إلى الثورية الثقافية الصينية، والاضطرابات السياسية في فرنسا في مايو 1968 (وهو مثال باديو الشخصي المكون للذات). كل هذه التحولات الطليعية تمثل عنده «فراغا» في الموقف الذي تعد جزءا منه ظاهريا، واستحضارا لللاتناهي تنسل إلى هذا الموقف لكن لا يمكن أن يجرى تمثيلها بوضوح كامل. يرى بايدوا أنه يوجد عدد لا متناه من العناصر في أي موقف، وهي حقيقة تطرح احتمال الفوضى أو العشوائية يجب للسلطة التقليدية أن تسيطر عليه. إنها تلك التعددية الفوضوية - التي تظهر في صورة بداهة سامية أو أزلية غير متصورة، والتي يراها باعتباره «الفراغ» في الموقف - هي التي تكمن في الموقف، لكن لا يمكن تمثيلها؛ وإن نقطة «العدم» المتفردة هذه هي التي ينطلق منها ما يسميه الحدث.
يمكننا الزعم بأن هذا هو إعادة صياغة باديو للنظام الواقعي اللاكاني؛ فالحدث أمر لا يمثل أي شيء ، ولا يمكن تحديد ماهيته من منظور الموقف الذي يقع فيه. وكما أن أشد اللاهوتيين حرفية وأكثرهم عنادا لم يمكنهم تصوير قيامة المسيح، فكذلك الحدث لا يمكن تسميته في إطار الموقف الذي يقع فيه؛ فهو - كتحفة طليعية إبداعها يخطف البصر - يمثل أصلا خالصا أو بدعة مجردة؛ بدعة ليس لها أي علاقة بالسياق الذي تنتمي ظاهريا إليه، ولا يمكن وصفها أبدا بمفردات خطابه الضيقة؛ فالموقف لا يمكن أن يعبر عن فراغه الذاتي مطلقا. فما يعتبره الحدث حقيقة، يعتبره الموقف الذي يقع فيه الحدث فارغا من القيمة.
إن الكينونة في نظر باديو عبارة عن تعددية لا تنضب، والتي تظهر لنا في أجزاء قابلة للإدراك أو مواقف منفصلة فقط من خلال «الاتحاد» أو التوحيد المؤقت من قبل ذات بشرية. بخلاف هذا، فهي مستغلقة علينا بلا حد مثل دائرة كانط الحقيقية. لكن «التعددية غير الثابتة» التي يخفيها هذا التوحيد، في وجود الحدث، تبدو كما لو كانت تتفجر لحظيا مرة أخرى لتمنحنا لمحة من اللاتناهي غير النظامي للكينونة المحضة؛ فالأحداث استثناءات للقاعدة متفجرة وممتنعة عن الوصف، وتجليات للحقيقة دونما أساس على الإطلاق؛ فهي مثل الثورة الإيرانية عند ميشيل فوكو تمثل انقطاعا لا يمكن تفسيره تماما للسببية التاريخية التقليدية.
27
وعليه، فهذه الأحداث تعارض المعرفة والتفكير والأنطولوجيا والقدرة على التنبؤ والقانون والأخلاق. باختصار كل تلك المسميات التقليدية التي يعد عندها عين وجودها - كالمجموعات الرياضية المنتمية لذاتها تماما - مستحيلا من الناحية الحرفية.
قد يتوقف المرء برهة ليتساءل كيف لنا أن نحدد ما يعتبر حدثا، أو كيف لنا أن نعرف مثلا المواقف التي تتسم بالتعددية اللامتناهية دون أن يكون مفهوم الحقيقة حاضرا منذ البداية. لكن الحقيقة عند باديو أدائية أكثر منها افتراضية، بل والأخطر من ذلك، يمكن للمرء أيضا أن يتشكك في صحة منظومة أخلاقية ترى الفضيلة - بمعنى الحكم اليومي على ما هو صواب وما هو خطأ - مرفوضة على نحو عنيف. ويقول باديو مدافعا عن العنف الثوري في ترنيمة مدح لثورة ماو الثقافية إن «فكرة التحرر الكامل ... مكانها يقع فيما وراء الخير والشر ... إن الشغف اللينيني بما هو واقعي ... لا يعترف بالفضيلة؛ فالفضيلة - كما أدرك نيتشه - عبارة عن مجرد سلف؛ فهي من مخلفات العالم القديم.»
28
فالأخلاق طليعية، بينما الفضيلة برجوازية صغيرة ومن الماضي. فنخبوية نيتشه تتماشى جيدا مع النقائية الثورية.
إن الأصالة المطلقة ل «الحدث» عند باديو - في مفارقة - هي «تصور شائع». فليس هناك ما هو أكثر حداثة في العادة من الحلم بهذا الانفصام الذي لا يوصف عن الواقع. ويمكن أن نفكر مثلا في روايات جوزيف كونراد المليئة بالأحداث السردية المحورية - قفزة لورد جيم المهمة والطقوس التي لا توصف، المحيطة بكيرتس في رواية «قلب الظلام»، وقتل ويني فيرلوك لزوجها في رواية «العميل السري»، وتفجير ستيفي في نفس الرواية، وتفكك ديكود التدريجي في «نوسترومو» - التي كلها تحدث، إن جاز التعبير، بعيدا عن عين القارئ، وتلمح بطرف العين بدلا أن ترى مباشرة. وفي عالم حتمي رتيب، فإن الحقيقة والحرية والذاتية ستظل ألغازا مستعصية على الاختراق مثل مجاهل أفريقيا. لذا، فإن شخصيات كونراد تمنح لحظة سمو عليا لتشهد فقط هذا الحدث الأقرب إلى المعجزة وهو يغرق حتما من جديد في العالم الظاهري، ويعاد امتصاصه في سيل المادة الخالية من المعنى والزمن الفاسد إلى أن تواجه الذات الحرة الآن وجودها الذاتي باعتباره حقيقة محضة. إن القفز ربما يكون قرارا حرا، لكنه يسلمك لقوى الطبيعة التي ليس لك عليها أي سيطرة.
إن أحداث الحقيقة، كما يسميها باديو، لا يمكن معرفتها وقت حدوثها؛ فوجودها لا يمكن القطع به إلا بعد مرور الوقت، مثلما يعلن القديس بولس أن المسيح الذي لم يقابله في الواقع قط هو الرب أو الإله؛ إذ لا يوجد حدث من أحداث الحقيقة من دون الفعل الحاسم لذات ما، وفي معضلة عويصة، لا توجد ذات غير تلك التي أخرجها للوجود إخلاصها الثابت والمضنى، والبطولي أحيانا، لهذا الكشف الأولي. يرث باديو العقيدة الطليعية المشكوك فيها القائلة بأن الذات البشرية غير حقيقية إلا عندما تخاطر بوجودها في جرأة في الظروف الشديدة؛ فالحقيقة هي كل شيء أو لا شيء. بخلاف ذلك وفي صورة علمانية نوعا ما من عقيدة الاختيار الإلهي، فما نحن إلا أفراد بيولوجيون محدودون يحتاجون لأن يتحولوا إلى ذوات لا محدودة أو أصيلة من خلال مثل هذا الالتزام. فالفرد نوع من العدم، شفرة يجب إلغاؤها وولادتها من جديد من رحم إيمانها بحدث شديد الأهمية، والذي يظل مستعصيا على البيان العقلاني وخارجا على نظام الوجود؛ فالذات البشرية هي دائما ذات لحدث من أحداث الحقيقة. وما يدفعها إلى الوجود هي حقيقة أبدية ونقية واستثنائية وشديدة الخصوصية. فتشكل الذات هو هداية إيمانية. ولا يمكن لهذه الذات أن تؤكد وقوع حدث الحقيقة فعلا إلا كما تتحرك معرفتنا عن الرب في العقيدة المسيحية اليهودية في إطار الإيمان. إن قيامة المسيح بالنسبة لبولس لم تعد قضية رؤية عين أكثر مما تمثله قضية غرف الغاز عندنا اليوم.
ناپیژندل شوی مخ