114

مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

ژانرونه

إن وجود الذات يعني عند ليفيناس الخضوع؛ وهو ما يعني التعرض للطلب المجحف للآخر الكبير، وهو طلب لا يخزن نفسه في العقل بل «على البشرة، عند أطراف الأعصاب».

2

فكما يعلق سايمون كريتشلي: «الذاتية أساسها الإحساس.» ويشترك ليفيناس في الكثير من النقاط مع كانط؛ لكنه لا يشاركه عدم ثقته في الإحساس؛ فالحياة عند ليفيناس هي - كما يقول كريتشلي: «الإحساس والمتعة والطعام. هي المتعة ولذة الوجود.»

3

رغم أنه بالنظر إلى التعقيد الشديد لأعمال ليفيناس عصية الفهم عن عمد فإنه يغفر للمرء تغاضيه عن الحقيقة؛ فالطعام والمتعة في نظر ليفيناس بنية سابقة على التاريخ نوعا ما، تتغذى عليها الحياة الواعية، لكنهما سابقان دائما عليها. فكما هو الحال مع النظام الخيالي في القرن الثامن عشر فإن الإرادة والتفكير والإدراك كانت عناصر حديثة في المشهد الأخلاقي، وهي مشتقات باهتة من شيء أكثر أولية على نحو كبير. لقد أصاب كريتشلي في رأيه أن الذات الأخلاقية في فكر ليفيناس هي مخلوق من لحم ودم، مثلما يظهر من تعليقات شهيرة له يقول فيها بأن «المخلوق الذي يأكل هو وحده من يمكنه أن يتعاطف مع الآخر.» وكذلك (في تعارض مع هايدجر) «الكينونة لا تأكل». فالأخلاق بحسب قوله «ليست هبة القلب بل القدرة على العطاء».

4

أما الآخر فهو بالنسبة له إنسان تكمن بداخله صورة توحي باندماج مضطرب وليس متجانسا للذوات. فمقاربة الأخلاق تكون بالإحساس لا بالإدراك؛ فوجودنا يرتبط بالإحساس، والإحساس نفسه باعتباره انفتاحا لا نهائيا على «الخارج» يعد صورة من السمو في ذاته؛ فالسمو مغروس في أحاسيسنا.

إذا ففي رد فعل مبالغ فيه بشدة على فكر عصر التنوير تخلينا عن عالم الفواعل الحرة التطوعية المقررة لمصيرها في سبيل دائرة أخلاقية تقوم على إلقاء اللوم على الآخرين والاعتماد على الغير وتتضمن التزامات وليس اختيارات، ولا تسودها حرية الإرادة بل الحساسية المخيفة. فالموت بحسب ما يكتب ليفيناس هو استحالة وجود خطة عمل؛ فالسؤال الأخلاقي التقليدي: «ماذا يجب علي أن أفعل؟» يتحول إلى: «ماذا يريد الآخر الكبير مني؟» فالأخلاق لم تعد مسألة تحديد ما ينبغي فعله بل ما يمثل حياة جيدة. يتسم ليفيناس بنفور لاكاني لمثل تلك المفاهيم عن الخير الأسمى، وهو ما لا يؤدي في نظره إلا إلى الفشل والإحباط؛ فالأخلاق قضية أهم من أن تختزل في مثل تلك الاعتبارات الدنيوية مثل السعادة أو الإشباع أو الرفاهية. كما أنه لا يكاد يطيق صبرا على التصور التقليدي للأخلاق بوصفها تأملا لمواقف معينة بهدف التوصل إلى التصرف الأنفع فيها؛ ففكرة تحديد مبررات سليمة من أجل تحقيق أهداف عقلانية ليست فكرة يولع بها كثيرا؛ فالأخلاق قضية متعلقة أكثر بوقوع الاختيار عليك وليس صدوره عنك. وقد رأينا كيف يمكن أن نجد نفس تيار السلبية الحكيمة في عالم الإحساس الخاص بالعاطفيين الذين يرون أن مشاعر الشفقة أو النفور تتجاوز سيطرة الإنسان الواعية؛ فأخلاق ليفيناس هي أخلاق انهيار وضعف وليس أخلاق إنجاز كبير؛ وهي بذلك لا تنتمي لعالم السياسة والتكنولوجيا ولكن لهؤلاء القلة من اليهود من أبناء بلاده الذين قضوا نحبهم في سبيل هذه الأشياء. فهو يسعى لاستعادة تناهي الوجود الإنساني من بين أنياب الإرادة المطلقة المتغطرسة؛ لكن اللاتناهي - كما سنرى - سيتسلل عائدا رغم ذلك في صورة المسئولية - التي لا تنتهي - بعضنا عن بعض. إنه، حسبما يكتب ليفيناس، في لغة تذكر بالنظام الواقعي عند لاكان «الشيء الكبير بداخلي الذي لا يمكنني أن أحتويه.»

يكمن في قلب فكر ليفيناس الأخلاقي علاقة مع الآخر الكبير، هي لا علاقة أيضا؛ حيث إن الآخر الكبير مختلف تماما وغامض ومستغلق. فليفيناس شأنه شأن لورانس في روايتيه «قوس قزح» و«نساء عاشقات» يسعى نحو علاقة تتجاوز نطاق العلاقات؛ علاقة تتخطى بأسلوب لورانس الخطاب التقليدي المستهلك للإرادة والوعي وعلم النفس والعاطفة والأعراف الاجتماعية والقوانين الأخلاقية والعواطف الإنسانية وما شابه في سبيل عالم فيما وراء الوجود ذاته، ومملكة للروح تتخطى الوجود بكثير. فمخاطر الهيمنة البشرية قد صارت راسخة الآن لدرجة أن العلاقات نفسها، التي لا يمكن أبدا أن تكون بريئة من القوة، يجب تجنبها. إن الانفتاح على الغيرية الذي لا يمكن السيطرة عليه - على السمو الموجود في قلب الذاتية التي لا تقبل (كما هو الحال مع الرب السامي) المقايضة ولا التلاعب ولا المبادلة ولا التبادل - هو الأساس الذي ينبني عليه وجودي الغارق في الإحساس بالذنب. فنحن بعبارة أخرى لا نتحدث عن العلاقة الفعلية مع هذا الشخص أو ذاك، بل عن العلاقة الأولية أو السامية التي هي شرط لأي علاقة واقعية والتي تمثل مصفوفة تتحرك خلالها مثل تلك الروابط. فالنفس ما هي إلا صدى لشيء يتخطاها؛ فحتى الآخر الكبير ليس هو ما يستثير حس المسئولية عندي، بل القانون أو اللامتناهي الذي يوجه بطريقته المستبدة الآخر الكبير لمسئوليتي. وإن لم يكن هناك قضية تماثل أو مساواة أو مبادلة في هذا السياق، وهو ما يعني عدم وجود أخلاق رمزية؛ فذلك لأن الآخر الكبير في ظل تلك الحساسية النابضة الخالصة التي يدل عليها «الوجه» يجردني من استقلالي ويلقي بي في إذلال صادم. فأنا أسير لهذا الآخر الكبير الذي يلقي بالاتهامات دائما، يأخذني وأنا أعزل تماما إلى معنى فيما وراء الوجود. وهذا التجلي للامتناهي؛ إذ هو علامة على ما تستحيل تماما معرفته الذي يضعف سيطرتي على نفسي، يمثل كذلك نذيرا بموتي.

إذا فالصدمة - أي تعرض الإنسان لغيرية مطلقة لا تكاد تطاق، غيرية هي عند لاكان المؤشر على الاضطراب النفسي - تمثل أصل الأخلاق اللاإنساني؛ فالوجود يعني الانفتاح. إن ما يغرق النفس في الذاتية هو ذلك التعرض دون وسيط للآخر الكبير - حدة العواطف غير المحتملة التي ينتجها - وهو ما يتملص من المبادلات غير الشخصية للنظام الرمزي ولا يمر ببوابة الدال. وحيث إن تلك المواجهة هي ما يمثل ميلادي - بصفتي ذاتا - فإن «اختياري» هو إخضاعي كذلك. فالخير سابق على الوجود؛ إذ إننا بالإخلاص للآخر الكبير نصل إلى الوجود الذاتي، وبما أنني لن أقدر على فهم أو معرفة أو استيعاب أو تصور الآخر الكبير، والذي يعني أي منها اختزاله في تماه خيالي مع نفسي، فإن الآخر الكبير يمثل لي غيرية مطلقة؛ غيرية غريبة، مفرطة، غير مشروطة، لا يمكن تمثيلها، فاضحة، لا تقاس، فردية، مستعصية على رغبتي؛ وبذلك فهو يسمو على فرديتي بصفته الإله الذي يعيش بداخلنا معا. في الواقع فإن ليفيناس يحول فعليا اللاعلاقة الأخيرة إلى العلاقة الأولى. وثمة تيار في الأخلاق المعاصرة يرى أن مفهوم الرب لم يعد له مكان ينقل السمو من الرب إلى شخص الآخر الكبير. ويعمق ليفيناس بفعله نفس الشيء لأقصى حد المفارقة المعهودة المتمثلة في أن كل علاقة إنسانية تتطلب بعض الامتزاج غير المقرر بين التآلف والاستقلال، وهو يعمقها لدرجة تقوض كلا الأمرين؛ فالأمر لا يقتصر على عدم وجود أدنى تماه أو أرضية مشتركة بيني وبين الآخر الكبير، بل إن خطابه المدوي كذلك يصادر على استقلالي؛ فيختزلني إلى نوع من العبد الروحي في حضوره المبجل.

ناپیژندل شوی مخ