109

مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

ژانرونه

تمثل روايات شارلوت أخت إميلي برونتي استراتيجيات للمواءمة بين الرغبة والأعراف الاجتماعية؛ إذ يتاح لجين إير أن تشبع تطلعها لنيل روتشستر المتسم بسحر لورد بيرون لكن بطريقة لا تتعدى اللياقة الاجتماعية؛ وبذلك تتركها في وضع مكشوف خطير. ولا يوجد مجال لمثل هذه المواءمة الحكيمة بين الرغبة والعرف في رواية «مرتفعات ويذرنج». فتجبر كاثرين للاختيار جنسيا بين هيثكليف وإدجار لينتون، وهي إذ تصبو إلى لينتون، أغنى مالك أراض في المنطقة، تأمل أن يتحمل عنها أعباء النظام الرمزي بجانب الحفاظ على الرابطة الخيالية مع رفيق صباها. وبهذا الأسلوب تمتلك - إن جاز التعبير - ذاتين: ظاهرية وواقعية، في الوقت عينه. فنداؤها الشهير «أنا هيثكليف!» يرمز للتعايش الخيالي مع حبيبها، تعايش يرتبط بالعدوان القاتل بقدر ما يرتبط بالاحتياج المتبادل. تختار كاثرين لينتون على هيثكليف في نوع من التعقل الاجتماعي؛ لكن أيضا لأنه عندما يتعلق الأمر بهيثكليف، الرفيق الذي يمثل وجوده ضرورة وجودية لها تضاهي ضرورة التنفس، فإن الاختيار ليس مفهوما ذا صلة بأي نحو. من الممكن أن يكون الحبيبان أخوين غير شقيقين وهو ما قد يشير إلى إحساسهما المتبادل بأن كلا منهما ذاتا بديلة، وكذلك على أفلاطونية علاقتهما. لكن إن كان هذا هو الحال، فإن التلميح بزنا المحارم يخيم على علاقتهما؛ لكن بما أن زنا المحارم علامة على الرعب الصادم الكامن في قلب النظام الرمزي، وإمكانيته المستبعدة بشدة، فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام الواقعي. وفي هذه العلاقة التي يحركها دافع الموت، يطوق النظام الرمزي من قبل كل من النظام الخيالي والنظام الواقعي.

هذا هو السبب في أن سعي كاثرين لمواءمة كمواءمة شارلوت محكوم عليه بالفشل؛ إذ إن النظام الواقعي لا يتيح مثل هذه المساومات أو أنصاف الحلول. فهيثكليف زائر قادم من هذا العالم الغريب، وكذلك مكمل خيالي لحبيبته، وهو شخص بربري غير متمدن يظهر في صورة شخص ينتمي للنظام الرمزي لا يعرف تأثيره على الأحداث؛ إذ لا مكان له في اقتصاد العزبة الصغير، ويتسبب وجوده هناك في إيقاع سوق الزواج والأملاك في اضطراب عنيف؛ فهو يمثل عند كاثرين الصخور الأبدية الموجودة تحت الغابة، القلب الصلب للنظام الواقعي لمادة الثقافة اللينة. يجسد هذا البربري طليق اللسان، بصفته منبوذا تتبناه العزبة لكن منفيا محبوسا داخل أسوارها، الحالة الملتبسة التي للطبيعة ذاتها التي تجمع بين الاجتماع والانعزال، فالطبيعة تظهر في الرواية نفسها في صورة العزبة المزروعة؛ ومن ثم كبعد من الثقافة الإنسانية، وفي صورة منطقة موحشة لكن خصبة تتجاوز حدود الوجود المتحضر.

يمتلك هيثكليف سمة من النظام الواقعي تذكر بالإله يانوس، باعتباره قاتلا وواهبا للحياة معا، فعندما كان طفلا كان نموذجا يشبه فارماكوس، الذي هو - بحسب كلمات إيرنشو العجوز - هبة من الرب لكنه شرير كالشيطان. أما وهو بالغ فهو يقدم كلا من الحياة والموت لكاثرين بصفته ممثلا لرغبة تدمر وتنشئ من جديد في نفس الوقت. فهو شأنه شأن أي نموذج للنظام الواقعي شخص بربري مريض بالهوس الأحادي، يفضل خوض بحور الدم على التخلي عن رغبته. إن حدة رغبته غير الطبيعية دالة على الموت المطلق الذي سيشتهيه. لكن الرواية لا تتعجل إقرار ما يمثله هيثكليف، فهي لا تفصح تماما كرهه الذكوري لإدجار لينتون المفرط في التهذيب، الذي قد يصل إلى الضعف، لكن الذي حبه لكاثرين حنون وثابت. ومقابل قراءة «عزبة ويذرنج» لشخصية هيثكليف باعتباره مصدرا للطاقة السامية، يقدم النص في المقابل رؤية «عزبة جرانج» له باعتباره ذئبا استغلاليا، بارون ثري وبلا رحمة لا يقدس أي رابطة أو عرف. يعد هيثكليف شخصية لا إنسانية لأن ما يمثله يتسامى فوق مستوى ما هو شخصي؛ لكنه شخصية لا إنسانية كذلك بالمعنى الأدنى للكلمة؛ أي رجل يدفعه رفض كاثرين له إلى التفوق على ظالميه في مكائدهم الخاصة بالزواج والأملاك.

مع ذلك وبرغم كل مكره، فإن هيثكليف يتصرف كرجل ميت يمشي على قدمين، فروحه دفنت مع كاثرين الميتة، والثروة الثقافية التي يجمعها خلال غيابه الغامض عن العزبة لا تستخدم إلا لهدف تركيع الذين انتزعوها منه، فكلما زاد استثماره باعتباره رأسماليا بلا قلب، قل استثماره الروحي في مثل هذه المخططات؛ إذ يحركها دافع الانتقام الخالص من الذين فرقوا بينه وبين حبيبته. فتخطيه للصعاب الدنيوية يتم باسم العالم الآخر، فالنظام الواقعي الذي يتمسك به هيثكليف بهذا الإصرار المرضي يختزل بيئته المحيطة الفعلية في اللاواقع حيث تستولي عليه رغبة لا تعرف أي قيد دنيوي. إن رغبة هذا الخبير العنيد في القانون والمال والأملاك لا تنتمي لهذا العالم كما إيمان الناسك؛ ولهذا يأتيه الموت في صورة صديق لا غريب.

إلا أن الرواية تدرك الجانب المجدب والرائع في أخلاق النظام الواقعي هذه، فمن وجهة نظر جرانج بعواطفها المتحضرة وأعرافها المتمدنة، يعد كاثرين وهيثكليف طفلين متجادلين، يعد رفضهما للنظام الرمزي علامة على عدم نضجهما الأبدي. وبعجزهما عن تناسي طفولة مثالية تتحول هي إلى مراهقة مشاكسة مدمرة لذاتها، ويتحول هو إلى وحش مفترس. وفي هذا الإطار فإن حب كل منهما للآخر حب ارتدادي ونرجسي في الوقت نفسه، يقع في شرك عالم أسطوري ضائع لا يمكنه من خلاله أن يتحول إلى جزء من التاريخ ذاته ، فمن الصعب تصور هيثكليف وهو يشغل غسالة الأطباق مثلا أو يحمم طفلا.

إلا أن نظرة عزبة ويذرنج - أو نظرة المدافعين عن المكان على الأقل - تختلف. فإن كانت علاقة البطلين متجهة نحو الدمار الذاتي، فهذا لأنه ما من مكان لهذا التبادل النقي بين النفوس في المجتمع التقليدي. فالاتحاد الشديد بين هذين الشخصين صعب، ليس لأنه ارتدادي بل لأنه مثالي. وإن كانت علاقتهما سابقة على التواصل الاجتماعي أو مضادة له وليست علاقة ثقافية؛ فذلك لأنها الصورة الحقيقية الوحيدة للوجود المتاحة أمامهما في نظام اجتماعي استغلالي. ولأن الاحتمالات الجديدة التي يشيران إليها لا يمكن أن تتحقق بعد، فعليها في المقابل أن تنتقل إلى نطاق الطبيعة والأسطورة والخيال. وبوصف هيثكليف «هبة من الرب» فإن وجوده في العزبة منحة زائدة في الأساس؛ إذ يستقبل في هذه الوحدة المنزلية/الاقتصادية باعتباره دخيلا، بلا دور مخصص له في بنيتها الثانوية المتمحورة حول العائلة. فهو باعتباره فائضا في نظام العزبة الاقتصادي وغريبا في عالم تاريخه قائم على سلالة معينة، فهو يرحب به أو ينبذ لذاته هو؛ إذ لا يتمتع بأي وضع سوى كونه إنسانا. إن نموذج فارماكوس الملوث المخيف يمثل بقايا وفضلات الإنسانية؛ لكن إن أمكن النظر إليه دون خوف واستيعابه داخل حدود الفرد، فإن هذا الغريب الواقف على الأبواب قادر على إطلاق قوة غامضة نافعة.

22

كاثرين هي الأخرى وجودها زائد عن حاجة اقتصاد آل إيرنشو المنتمين لطبقة صغار الملاك؛ فهي لأنها مجرد ابنة فهي لا ترث. لكن العزبة لا ترى أي فائدة من هاتين الشخصيتين الجامحتين بخلاف استغلالهما وتجاهلهما، وتتركهما ليديرا شئونهما. فالحب شيء جميل لمن يملكون الرفاهية والموارد للاستمتاع به. فأهل العزبة البخلاء جامدو الفكر لا يمكنهم فهم أي علاقة ليست لها أساس اجتماعي أو أسري أو اقتصادي؛ أي علاقة تتضمن فوق ذلك مساواة حقيقية بين أطرافها في ظل ما تصوره الرواية على أنه نظام طبقي شديد السلطوية. إن من بين الإنجازات الجريئة لرواية «مرتفعات ويذرنج» هي تعرية بيت العائلة الفيكتوري باعتباره مسرحا للعنف البغيض وصراعات القوة البائسة. هذا هو السياق الذي يمكن فيه اعتبار العلاقة بين كاثرين وهيثكليف مثالية، فالنظام الواقعي يتضمن احتمالا هو تدشين شكل جديد من الوجود تنقطع صلته بالماضي الجائر، وكذلك واقعا هو إطلاق دمار مرعب في الحاضر.

وكما توجد في قلب رواية إميلي برونتي رغبة تقاوم الدلالة، فإن النص ذاته - بما فيه من رواة شديدي التحيز وأصوات متنافسة وإدراج قصص داخل قصص كحكايات الجدات - كاف هو الآخر ليربك أي قراءة مباشرة للقصة. فآلية دمج سرد ربما يكون غير موثوق في سرد آخر يتأكد عدم مصداقيته تتضمن تفكيكا للترتيب الزمني؛ حيث يلتف التاريخ في النص على نفسه في حركة إلى الأمام وإلى الوراء. وهذا أيضا يتناقض بكل وضوح مع تكشف قصة شارلوت غير الخطي، بما فيه من ثقة ضمنية في التطور الأخلاقي والتاريخي؛ إذ يوجد في البعد الواقعي ما يربك البعد التاريخي، حيث تدور شخصيات ومواقف وأحداث متنوعة حول دوامته لتشكل دوامة من الزمن.

في أي من روايات شارلوت برونتي، ليس أمامنا مجال كبير للشك فيما علينا اعتقاده بشأنها؛ حيث يلقننا الراوي العالم بكل شيء ردود أفعالنا في سلطة مفرطة تليق بناظر المدرسة. لكن رواية «مرتفعات ويذرنج» في المقابل تفتقر للسرد الكبير أو الفوقي، كما لو كان الغموض في قلبها لا يمكن تناوله بصورة مباشرة بل بصورة منظورية؛ إذ يلمح في الفجوات بين قصة متحيزة وأخرى. لذا فإن الرواية لا تتيح أي اختيار مباشر بين النظام الرمزي والنظام الواقعي، بين هيثكليف باعتباره شخصا استحواذيا بشدة وهيثكليف باعتباره أفقا ثوريا جديدا، فالمقصود أن نرى الرجل نذلا ساديا، وليس شاردا لافتا للانتباه أو جوهرة غير مصقولة. إلا أنه مطلوب منا أيضا أن ندرك أن سوء المعاملة على يد آل إيرنشو هو ما حوله من طفل جريء إلى محتال بلا قلب، فبمجرد أن ترفض رغبته في كاثرين، تتحول تلك الرغبة إلى دافع مرضي للموت والنفي والعنف الذاتي، إلا أن الرغبة نفسها عقلانية تماما، لا يعوقها إلا عقبات النظام الطبقي. لقد حرم هيثكليف الاحترام والتقدير، أولا من قبل آل إيرنشو ثم من قبل محبوبته، وقد رأينا من قبل كيف يمكن لهذا الرفض أن يحول شايلوك وكولهاس وكلاريسا من مواطنين مسالمين إلى رسل موت ودمار؛ إذ يوجد في الظلم، أكثر مما في الحقد أو السخط أو حتى في الكراهية، ما قد يدفع الرجال والنساء إلى الجنون.

ناپیژندل شوی مخ