106

مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

ژانرونه

15

فبعد حادثة اغتصابها الأليمة على يد لافليس، تتابع كلاريسا سبيلها بأسلوب شعائري دقيق لتسحب جسدها من النظام الرمزي؛ إذ تصف نفسها ب «العدم» وتعلن أنها «ليست ملكا لأحد.» وفي ظل تطلعها للموت ترفض أن تظهر باعتبارها غرضا قابلا للتبادل بالعملة الرمزية لثقافتها. بل إنها - في انسحاب سريالي من نظام القوة التي هي جزء منه - تصير عدما، شاردة، فصامية، لا مكان، لا شخص. فكلاريسا بتخطيطها وتنفيذها لموتها بهذه الدقة تجعل منه معنى حياتها. فموتها، بعكس بارناردين، حدث في حياتها - بل حدث حياتها - وليس مجرد نقطة نهايتها البيولوجية. وليس من الغريب أن يهاجم العديد من النقاد الرواية باعتبارها كئيبة بدرجة لا تطاق؛ إذ بتخلي بطلة ريتشاردسون عن جسدها من أجل المتع الصارخة لدافع الموت، تنقلب على لحمها ودمها في عدوان قاتل يوجهه المعتدون من أمثال لافليس في قسوة إلى الآخرين. وهي بذلك تمارس شعيرة تضحية تنفذ على الملأ، تكون هي فيها الكاهن والضحية المقطعة في آن واحد. وهي تعبر بذلك كما القربان في العصور القديمة، من الضعف إلى القوة، ومن الموت إلى المجد. وتدرك كلاريسا أن هذا البعث لا يمكن تحقيقه في مجتمعها - الموصوم بخطيئة أولى تتجسد في حالتها من خلال «البريء المذنب» - إلا بالعبور من بوابة الموت على هيئة قربان.

16

وكنموذج لفارماكوس، كبش الفداء الذي يحمل على كاهله خطايا المجتمع جميعها، يمثل جسدها المدنس الجرائم والتناقضات لنظام رمزي أكثر قربا من الحاضر؛ إذ يرمز جسدها المنتهك لوحش النظام الواقعي الذي تجب مواجهته إن كان لهذا المجتمع المهووس بالملكية أن يعيد تشكيل نفسه. إنه الميتانويا أو التحول الروحي الذي سيطلق عليه لاحقا اسم الثورة السياسية.

17

وإذ كلاريسا تدرك أن هذه ليست حضارة مناسبة لتعيش فيها امرأة، فإنها تنأى بجسدها المستنزف بعيدا عن الأذى، فتحول موتها إلى مشهد احتفالي عام رافضة بثبات كل نداءات أصدقائها وأهلها الذاهلين بالتراجع، فهي تصير - شأنها شأن معجبي النظام الواقعي - من الموتى الأحياء، فموتها الجسدي يتمم فقط موتها الروحي. وفي هذا الموقف العصيب فإن السبيل الوحيد لحماية النفس يكون بتسليمها، فبطلة ريتشاردسون تسلم نفسها طواعية لإغراء دافع الموت، فتحول جسدها إلى نفي صامت للنظام الذي جرها إلى الموت تاركة معذبيها المذلولين وأيديهم تخضبها الدماء. لم تثبت المازوخية فيما قبل أعمال هنري جيمس أنها سلاح سياسي شديد الفاعلية، حيث تنتزع كلاريسا على طريقة البطل التراجيدي الكلاسيكي قوة عارمة من ضعفها الشخصي. ويمكن لنظام اجتماعي عادل أن يقوم على هذا الإخلاص المنعزل اللااجتماعي للحقيقة. إن مازوخية كلاريسا متطرفة؛ لكن هذا التطرف مؤشر لما يتطلبه الأمر في تلك المواقف لكي تولد الحقيقة والعدالة.

يأخذ الشهيد بيد نفسه لمواجهة النظام الواقعي مباشرة، متجاوزا النظام الرمزي وشاهدا على حقيقة بديلة بإنكار قوانين العالم حتى في الموت. فالشهداء يؤدون ما يسميه فالتر بنجامين بقفزة نمر إلى المستقبل ناظرين إلى الحاضر كما لو كانوا موتى بالفعل، وكما لو كان الحاضر ماضيا. فالشهيد يستغل دافع الموت في سبيل قضية قد تعني حياة أكثر وفرة للآخرين؛ وفرة في الحياة مصدرها توقف حياته هو. تبدو تلك حتما كذبة يسارية متطرفة للذين يسعون عمليا في سبيل نظام اجتماعي أكثر إنصافا، والذين يجب من ثم أن يلتزموا بدرجة ما بقواعد لعبته. لكن ثمة فارقا بين السعي لتحقيق العدالة وتجسيدها، بغض النظر عن السلبية التي قد يفعل بها الأمر الأخير. وفي المجتمعات التي تستبعد فيها النساء من الحياة السياسية فإنهن - مثل كلاريسا هارلو - الأقرب إلى ضرب مثل لهذه الصورة الثانية من المعارضة السياسية. تشهد كلاريسا على الحياة الكريمة ليس من خلال التوق إليها ولا الوعظ باسمها، بل بتحويل جسدها إلى دال سياسي، فتكشف عن الغياب المؤسف للعدالة من حولها من خلال عرض جسدها المنتهك على الملأ. فكما يقول ديفيد وود: «إن تقديم النفس قربانا يعني تحويل حياة الفرد إلى شيء تتجاوز دلالته هذه الفردية.»

18

ثمة وجه معين نمر فيه جميعا بهذا التحول من الجسد إلى الرمز خلال عملية دخول النظام الرمزي؛ لكن الشهيد هو شخص يسلط الضوء بشدة على هذا التحول. فكما هو الحال بالنسبة لكبش الفداء، فإن كلاريسا «تصبح خطيئة» كما في وصف القديس بولس للمسيح. وكلما زادت في ذلك - أي كلما زاد تجسيدها للعنف الإجرامي للنظام الاجتماعي في جسدها ذاته - زادت مكانتها الروحية. فكلما زاد كبش الفداء تلطخا بالدم زاد طهارة. وفي هذه الحالة يصبح الداء هو الدواء، فمن خلال تنقية جوهر المجتمع الظالم، يشير كبش الفداء إلى ما وراءه. إن ما يكتبه لاكان عن أوديب ينطبق على بطلة ريتشاردسون أيضا: «ليس موته كموت أي شخص آخر؛ أي، ليس صدفة؛ فهو يموت ميتة حقيقية يمحو فيها وجوده، فاللعنة قبلت طواعية في سبيل الخلود الحقيقي لإنسان، الخلود القائم على إخراج النفس من نظام العالم. إنه عمل جميل ...»

19

ناپیژندل شوی مخ