مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
ژانرونه
أما فعل شايلوك في المقابل فهو ليس فوضويا بل هداما، فهو باعتباره مواطنا منبوذا - شخصية مهمة في اقتصاد المدينة لكن لا يمكنه الاندماج اجتماعيا - يدخل في منظومة رد العين بالعين في النظام الرمزي ليشجع انهياره من الداخل بسبب شيء تافه، فكما يقول لأحد أصدقاء أنطونيو، «الغلظة التي علمتموني إياها ستشهدونها؛ بل وأشد منها.» فالمحاكاة هي أكثر أشكال العدوان صدقا. فالمسيحيون - كما يوضح - يشترون الأجساد (العبيد) الذين يمانعون تركها؛ فلم عليه إذن أن يتخلى عن تلك القطعة من أنطونيو التي أصبحت ملكه قانونا؟ فهو بتطرفه في منطق التبادل إلى حد ساخر من الذات يكشف خواء النظام الواقعي في جوهره.
هذا لا يعني الزعم أن شايلوك يرفض نظام أخلاق رمزي، وإن كان يزلزل دعائمها. على العكس، فإن إخلاصه المحموم للنظام الرمزي هو ما يكشفه على حقيقته، فالعقد الذي يمثل مشاركته في هذا النظام لا داعي لوجوده في هذا الاقتصاد الرمزي، ويرمز من بين عدة أشياء إلى «النظام الواقعي» للجسد. إذ يكشف شايلوك أن هذا النظام الرمزي الخصوصي - الموجود كأي نظام من هذا النوع تحت مسمى حماية الجسد - يخفي ظلمه الفعلي للجسد؛ لكنه لا يستنتج من ذلك أن القانون والواجب والشرف والعدالة والالتزام والاستحقاق والتعويض الدقيق وغيرها هي قضايا جانبية أو حلية أيديولوجية. فهو ليس من «غير المخدوعين» عند لاكان الذين يتصورون أنهم لم يروا في النظام الرمزي أكثر من مجرد خداع صريح، ولهذا السبب يقعون في فخ الوهم الشديد. على العكس فإنه يرسخ لدقة لا تبدو بأي نحو متفقة مع ذوق الأنصار المبالغين في دعمهم للأخلاق الواقعية في الوقت الحاضر. فهو لا يؤمن مثل إيمانويل ليفيناس وجاك دريدا بأن الالتزام لا محدود، فهو لا يطلب سوى حقه مثل كولهاس. إن العدالة التي تسعى تلك الشخصيتان إلى تحقيقها ليست إفراطا في الحساب الدقيق بل إن الإفراط هو التعنت الذي يتمسكون فيه بهذه الدقة. فشايلوك وكولهاس أبعد ما يكونان عن التحرريين السذج: فكلاهما يحترم قواعد النظام الرمزي ويقدر هدف القانون والسلطة. فيصرخ شايلوك في احترام وتمرد معا قائلا: «أريد تطبيق القانون.» لكن لما يتعارض القانون مع العدالة التي يفترض أن يصونها، عندها فقط يكشف هذان الرجلان عيوبه. وعند هذه النقطة، يصبح طلب العدالة في ذاته شكلا من أشكال التخريب، وفضيحة وحجر عثرة في طريق المجتمع المتحضر. فمن خلال أخذ خطاب المجتمع الأيديولوجي هذا على محمل الجد، ينجح هذا المطلب في كشف وحشيته الكامنة، فشايلوك وكولهاس ينجرفان فيما وراء حدود الأخلاق باسم ما هو أخلاقي.
يتبنى دريدا وزملاؤه - كما سنرى بعد قليل - نظرة أكثر استعلاء نحو الأخلاق الرمزية أو أخلاق التكافؤ. فإمكانية المحاسبة، التي يرى دريدا أنها قد تعتبر في الغالب نفعية فظة، تدخل ضمن سلسلة من المفاهيم المشيطنة ضمنيا في معجمه: القانون والتسوية والهوية والإنصاف والاقتصاد والمنطق والاستقرار والمعيارية والإجماع والنظرية والمعرفة والتقليد وقابلية البت والقياس والكلية والعمومية والصياغة المفاهيمية وما شابهها. إذا فوضع هذه المصطلحات أمام مقابلاتها (اللاهوية واستحالة البت، إلى آخره) يعني الانغماس في نوع من التقابل الثنائي الذي من المفترض على ممارسي التفكيك بوجه عام أن يبطلوه. يفضح فكر دريدا تجنبا يكاد يكون مرضيا لما هو محدد، مثلما تنطوي أعمال ميشيل فوكو على احتقار يكاد يكون مرضيا للذاتية. فالهوية والقابلية للتحديد وما شابه - كما يعترف الفكر التفكيكي في حذر - هي مفاهيم لا مفر منها أبدا. وهو اعتراف يسعى من بين عدة أشياء إلى وقاية الفكر التفكيكي من اتهامه بأنه ليس إلا صورة حديثة من التحررية الرومانسية. لكن برغم كل تلك التنازلات الحذرة، يكمن لب الفكر التفكيكي بلا شك في مفاهيم الانحراف والزيادة واللانهاية واللاتحديد والاستحالة. إذا هو فكر تحرري يملؤه الخزي لا الفخر بذاته.
لكن شايلوك بصفته عضوا في جماعة منبوذة لا يسعه أن يمنح نفسه هذه الرفاهية، فالليبراليون من الطبقة العليا في البندقية هم من يعتبرون المطالب المحددة - كتلك الواردة في عقد شايلوك - بلا قلب ولا إنسانية. فهم يرون أن مثل هذه الصرامة ما هي إلا مثال آخر على التقيد اليهودي الصارم بالقانون، وهي العقلية التي لم يتأمل صاحبها بالقدر الكافي كتابه المقدس بحيث يتوصل إلى أنه يحث على فضيلة التسامح. فحتى صخب أهل البندقية المطالب بالرحمة معاد للسامية. أما شايلوك فعلى العكس من ذلك، يفهم أن حقوق الضعيف تحتاج إلى الحماية من خلال التدوين، فما هو إنساني عند بورشيا وأمثالها هو من يراوغ حرفية النص المريعة. ويتضح هذا في البلاغة المتقدة لخطابها في المحكمة وليس في حرفية نص العقد المستبدة. فهي تطرح سعة الرحمة مقابل دقة العدالة. وفي إطار تلك النظرة، فإن رجلا كشايلوك يقضي حياته في اتفاقات دنيئة لا يمكن أن يمتلك بكل تأكيد مفهوما للفضل؛ وهو افتراض فيه مفارقة قطعا بالنظر إلى اعتباطية صفقته وعناده الغريب الذي لا مبرر له، والذي يكاد يصل به في سعيه وراءها إلى الموت.
لكن شايلوك في حاجة لهذه الورقة لأنه سيكون غبيا إن اعتمد على طيبة قلب من يفوقونه اجتماعيا. فالنظام الرمزي يمكن أن يعمل على حماية الضعفاء كما يستغلهم؛ لذا لا ينتقده على حاله هذا إلا مذهب يساري عقلاني، فأعضاء اتحادات العمال مثلا من غير الحكمة أن يركنوا إلى الطيبة العابرة لصاحب العمل من أجل زيادة أجورهم. فالمظلومون بحاجة لعقد لا لبس فيه، وإن بدا ذلك شديد التحديد للنخبة المثقفة المتفتحة؛ حيث إنه لا يمكنهم أن يعرفوا متى تنتاب أسيادهم نوبة كرم أو بخل. فتسجيل الحقوق ليس أمرا «غير إنساني» بل هو قضية متعلقة بالجسد. إن باسانيو يتحدث عن الرسالة التي تحمل خبر خسارة بضائع أنطونيو مشبها إياها ب «جسد صديقي؛ كل كلمة فيها كالجرح الغائر، يقطر دما» (3، 2: 267-269). الكلمات بالقطع لا ينبغي أن تختلط بالأجساد، رغم أن شكسبير لا ينفك يبدلهما بعضهما في كتابته؛ لكن الدلالة الصادقة - وخاصة القانونية - هي دلالة تتسق مع الجسد وتتشكل من خلال احتياجاته المادية. فإن كان النص غير شخصي فذلك فقط في إطار القانون المحايد فعلا، فالعقود المكتوبة تحميك من تقلب الآخرين وشرهم. فالقانون لا يتعارض في الأساس مع الحب والرحمة، فالنظام الرمزي الذي يعتمد على الأوراق والنصوص لا يمكن التخلي عنه ببساطة باسم المواجهة المباشرة مع النظام الواقعي. فمن ناحية التحليل النفسي، فإن النتيجة المحتملة لهذا الطريق المختصر هي الاضطراب النفسي؛ أما سياسيا فالنتيجة هي الاضطراب الصبياني لليسار المتشدد، وهو نوع من التحررية البريئة.
لذا فإن التماس بورشيا الشهير للرحمة يزداد إثارة للريبة، فضلا عن أنه من الناحية السياسية أكثر أنانية مما يفترض النقاد:
لا دخل للإلزام في مشاعر الرحمة؛
فهي تهبط من السماء كالرذاذ
على ما تحتها ... (4، 1: 184-186)
تهدف بورشيا إلى التفريق بين الرحمة في جانبها المطلق والإلزام، وهي الكلمة التي خرجت لتوها من بين شفتي شايلوك. إلا أن الرحمة في الإنجيل ليست غير متوقعة مثل المطر. والإشارة إلى أن علم الأرصاد الجوية علم غير دقيق ليس هو الهدف من الكلام هنا. فيسعى تشبيه بورشيا الرائع إلى إقناعنا بأن التسامح متقطع وتلقائي، على عكس الرؤية المسيحية الشائعة بأنها التزام أكثر منها اختيار. فلو عاملنا كل امرئ بموجب استحقاقه، كما يقول هاملت، فمن ينجو من الجلد بالسياط؟ فالتراحم في العقيدة المسيحية اليهودية يعني عيش حياة الرب؛ لذا فهو ليس نزوة عنده، وإن كان كذلك عند بعض مخلوقاته. وعلى نحو مشابه، فإن اهتمام الفرد الشديد بمصلحته جزء إلزامي من أي اتفاق تجاري، وهذا سبب يقدمه شايلوك لمقت خصم يتحلل من هذه الأنانية.
ناپیژندل شوی مخ