مشکلات سره غریبانو: د اخلاق فلسفې په اړه یوه مطالعه
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
ژانرونه
لما أخذتها ولظللت أطالب بتنفيذ شروط العقد. (4، 1: 89-91)
إن قطعة اللحم البشري التي يريدها شايلوك قطعة من اللحم عديمة القيمة والفائدة، لكنها في نفس الوقت شيء لا يقدر بثمن، ولا يمكن أن يباع ويشترى، ويسمو فوق مستوى السلع العادية المتداولة. فهي بالنسبة لشايلوك تعمل في إطار النظام الرمزي عمل صك الاتفاق القانوني أو بديل الثروة المادية؛ إلا أن هذه القطعة التافهة العزيزة تدل أيضا على صورة من السلبية في قلب هذا النظام ، وكسر لمداولاته المضبوطة بدقة لا يمكن تمثيله. إن الحدة التي يطلب بها هذا اليهودي دون رحمة قطعة اللحم تماثل الدقة الصارمة التي تأمره بها المحكمة المسيحية بألا يزيد أو ينقص شعرة في حقه؛ لكن الطلبين ينتميان لنظامين مختلفين تماما، الأول للنظام الواقعي والأخير للنظام الرمزي. ويمكن توضيح سلوك شايلوك بتعليق من لاكان على ممارسة التحليل النفسي: «إن كان للتحليل معنى، فهو أن الرغبة ليست سوى ما يدعم فكرة لا واعية، يربطنا التعبير عنها بمصير محدد، ويتطلب هذا المصير بأن يرد الدين، وتظل الرغبة تعود وتعود، وتضعنا مرة أخرى في مسار محدد، مسار يؤدي إلى شيء يخصنا بالتحديد.»
10
يرفض شايلوك الذهب من أجل قطعة اللحم البشرية؛ حيث إنه يدرك على نحو محق أنه لا يمكن قياس الأخيرة كميا. وبرغم إشارة جراشيانو الحمقاء إلى «امرأة لا تباع ولا تشترى» فإن الأجساد وأكياس النقود لا يمكن المقارنة بينهما. لكن جزءا من عظم صدر بشرية ليس ثمة ما هو أسوأ منه، كما يقول باسانيو عن حالته التي أثقلها الدين عندما غرقت سفينة أنطونيو؛ حيث إن الأنواع الأخرى من لحم الحيوان يمكن بيعها كما يقول شايلوك. إن ما يرغبه شايلوك هو العالم الواقعي لجسم الإنسان، وهو ما ترمز إليه قطعة اللحم البشرية التي يريدها من أنطونيو أو موضوع الرغبة المستحيل. وبصورة أدق فهو يطلب اعترافا بأنه يتكون هو الآخر من لحم ودم شأنه شأن هؤلاء المسيحيين، وبأنه حتى اليهودي الملعون يضحك عند دغدغته وينزف عندما يجرح. إن المكونات المشتركة للجسم المادي وليس الانتماءات الثقافية هي ما يضعها شايلوك نصب عينيه في جدله المميز ضد معاداة السامية.
فرغبة شايلوك إذن هي رغبة في التبادلية الإنسانية التي يعد طلبه لقطعة من اللحم المسيحي سخرية مريعة منها. فهو كأنما يحاول تغيير النظام الرمزي على نحو مباشر إلى النظام الواقعي؛ إذ يستبدل بتشابه الأجسام التبادل المادي. فاتفاقه مع أنطونيو نوع من المحاكاة المبالغ فيها للرفقة الأفخارستية، التي لا يمكن فيها لشايلوك أن يمتلك جسد أنطونيو إلا من خلال علامة عليه أو بقايا رمزية منه. فالصراع القاتل بين اليهودي والمسيحي هو قلب ساخر للرفقة الحقيقية التي جزء من شايلوك يرغبه. وبهذه الصورة السلبية وحدها - وبدافع اعتداء وحشي أو دافع موت يستهدف أنطونيو لسوء حظه - يتاح لشايلوك فرصة تبادلية حقيقية. وفي ظل هذه الظروف لا يمكن للحب أن يعبر عن نفسه إلا في صورة كراهية تلازمه بصورة مرعبة. وكما هو حال كولهاس وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فإن شايلوك آكل لحوم بشر رمزي، وكذلك الذين يشاركون في وليمة المحبة الأفخارستية. لكن إن كانت أفعاله تنتمي من هذا المنطلق للنظام الرمزي، فهي كذلك تستهدف المواجهة المباشرة مع البعد الواقعي للجسد والموت؛ وحيث إن ما يرغبه شايلوك ليس أقل من امتزاج الأجساد فهو ذو بعد خيالي أيضا. فخصومته الضارية مع أنطونيو تعود لهذه العلاقة الخيالية بقدر رؤيته له باعتباره تاجرا زميلا وأنا بديله.
إذا فهي قضية جسدية بين رجلين بكل المعاني، فحتى كراهية شايلوك للتاجر تتجسد في صورة تبن واستيعاب له: «فلو أني تمكنت منه، لأطعمت وحش حقدي القديم من لحمه» (1، 3: 47-48). ويتحدث لاحقا عن «الأكل من مائدة المسيحي المبذر» (2، 5: 14-15). فإنكار قطعة اللحم على شايلوك يعني إنكاره، وإنكار جسده، وإنكار طلبه المتعطش للتقدير. فالعالم الواقعي الذي يرفض شايلوك التخلي عنه هو جسد رجل آخر؛ وهو ما يعني الإنسانية المشتركة التي يدين بها أنطونيو ومقربوه من الطبقة الحاكمة لليهودي النجس لكن يرفضون منحه إياها. يزعم شايلوك أنه يريد أن يكون صديق أنطونيو ويفوز بحبه؛ ورغم أن هذا الزعم قد يكون كاذبا جزئيا، وليس سوى طعم مراوغ لإيقاع أنطونيو في الشرك، فلا ينبغي التغاضي عنه كليا.
يزعم شايلوك أن لحم أنطونيو ملكه، وهو كذلك على أية حال من وجه ما؛ وتبرز أهمية عقده في المسرحية لأنه دال على هذه الملكية الجوهرية، فكلمة «العقد» بمعنى الاتفاق القانوني الملزم هي كلمة «العقد» بمعنى الرابطة الإنسانية؛ وهذا هو السبب في أن شايلوك يستثمر قدرا مريعا من الطاقة العاطفية في قضيته المنحوسة. وتعكس حيادية اللغة القانونية حيادية روابط إنسانيتنا المشتركة التي لا يمكن لأي تحيز ثقافي أو نزوة ذاتية أن تنحيها جانبا؛ فالجسد البشري في النصوص اليهودية المقدسة التي يثق بها شايلوك ليس شيئا ماديا في المقام الأول بل مبدأ للاتحاد مع الآخرين. إن التواصل الأصيل مع أنطونيو وأمثاله هو ما يسعى إليه شايلوك، بعكس الاتفاقات النفعية والإهانات العنصرية والإقناع الخادع والدوال المبتذلة. يغرق شايلوك في صراع حياة وموت هيجلي من أجل تقدير النخبة الحاكمة في البندقية. فهو يرغب في أنطونيو رغبة شديدة لدرجة أنه مستعد لأن يلتهمه، وينفث عنفه المميت في وجهه وهو يمتزج بجسده. فإن كانت تلك هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنه بها انتزاع لمحة تقدير من ظالميه المسيحيين فهذا أسوأ. فربما لا يمكن لأنطونيو إلا كعدو - بوصفه رجلا تحت التهديد - أن يكون صديق شايلوك؛ بمعنى أن مصير أنطونيو مقترن حتما بشايلوك.
إن مما يميز أخلاق النظام الواقعي أنه مهما كانت المواجهة مع الحقيقة صادمة، فهي تطلق قوة غريبة تدشن بها نظاما إنسانيا جديدا، فمن خلال التضحية أو الموت الرمزي فقط - من خلال تجريد النفس من الهويتين الخيالية والرمزية - يمكن للإنسان أن يخوض مثل هذا التغيير الذي يسميه العهد الجديد بالميتانويا أو التحول الروحي. إن الأفخارستيا المسيحية احتفال بالرفقة، فهي طريقة جديدة لانتماء كل منا للآخر، تمثل صورة مسبقة للمجتمع العادل أو مملكة الرب المستقبلية؛ لكن هذا النموذج الثوري من الحياة ليس ممكنا إلا من خلال المشاركة الرمزية في عبور المسيح الدامي من الموت إلى البعث. وعلى هذا المحمل يمتزج النظامان الرمزي والواقعي في فعل واحد، فالخبز والنبيذ اللذان يمثلان لغة تضامن في الأفخارستيا دالان أيضا على جسد مشوه، يكمن فيهما كما يكمن المعنى في الكلمة. وهذا هو السبب في أن سر التناول (وهي المكافئ اللاهوتي لكلمة «العلامة») يتضمن الأكل والشرب؛ ليس فقط لأن هذه الأشياء تعبير تقليدي عن الصداقة؛ بل لأن التغذية التي تقدمها لا تنفك عن الهلاك. ولو أن أنطونيو وباسانيو وزملاءهما المعادين للسامية كانوا قادرين على استيعاب المعنى الحقيقي لمطالبة شايلوك بالحصول على رطل من لحم أنطونيو (وهو ما لا يفترض أن شايلوك نفسه يعرف دلالتها الحقيقية، فضلا عن أنه يريد بفكره الواعي أن يقضم قطعة من أنطونيو)، فلربما أدى هذا الإدراك إلى تأسيس نظام أخلاقي وسياسي من نوع جديد؛ نظام مبني على الصداقة السلمية بدلا من الخصومة والانقسام.
بالطبع ربما يكون رطل اللحم ذاك مرتبطا بالإخصاء بقدر ما يرتبط بأكل لحوم البشر؛ إذ إن شايلوك في نهاية الأمر مسموح له بأن يقتطعه من أي جزء من جسد أنطونيو يختاره، ويمكنه أن يختار مازحا أربية التاجر. إن كان هذا هو الحال فإن شايلوك يظهر بمظهر القانون الأبوي التأديبي أو «اسم الأب» المهدد بالإخصاء؛ لكن قد لا يقتصر الأمر على هذا؛ إذ يعتبر جاك لاكان وهو يكتب عن مسرحية «هاملت» أن الشيء القادح للرغبة هو أي شيء يملأ فراغ الخسارة الأولى، شيء يصفه بأنه «هو تلك التضحية الذاتية، رطل اللحم هذا الذي يرهن في العلاقة مع الدال.»
11
ناپیژندل شوی مخ