مسامرات الظريف بحسن التعريف
مسامرات الظريف بحسن التعريف
ژانرونه
ژوندليکونه او طبقات
ولما توفي الشيخ بن الشاذلي المؤدب قدمه المشير مفتيًا خامسًا وإمامًا ثالثًا بجامع الزيتونة في الحادي عشر متن صفر الخير سنة ١٢٦٣ ثلاث وستين ومائتين وألف، فأعاد على الجامع حلية تدريسه، وزان محرابه بحسن رنته التي تخشع لها القلوب، ولم يزل يتقلب في مراتب الفتيا فصار مفتيًاَ رابعًا عند وفاة الشيخ محمد المحجوب وصار مفتيًا ثالثًا عند وفاة الشيخ محمد بن سلامة.
ولما توفي الشيخ إبراهيم الرياحي قدمه المشير خليفة بجامع الزيتونة مع الإمام الأكبر الشيخ محمود محسن أواخر شهر رمضان المعظم سنة ١٢٦٦ ست وستين والمستفتين ويزين المحراب والمنبر بحسن رنته وتلاوته وخطب من إنشائه كثيرًا ما يحضر الجامع أول الوقت بحيث لم يجده وقاد الجامع ليس على وضوء في أول وقت صلاة الصبح دائمًا بمجرد ما يقرع عليه الباب يسمعه خارجًا على أكمل هيئة ﵁.
أدركته بجامع الزيتونة يقرئ شرح الكفاية على رسالة سيدي عبد الله بن أبي زيد فسمعته يومًا في باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة بألطف عبارة وأحسن أناة وسكينة مع حسن التعبير الذي يستوي في فهمه المبتدي والمنتهي وكان عالمًا عاملًا فقيهًا ورعًا عفيفًا نقي العرض حسن الأخلاق مهيبًا وقورًا عزيز النفس كريم السجية كامل القامة طويل الذقن خالص الشيب يلازم غض البصر كثير الأناة حسن اللباس ولم يزل ثنيان الفتيا والإمامة إلى أن أدرك حمامه فتوفي في يوم الأربعاء السادس عشر من المحرم سنة ١٢٨٣ ثلاث وثمانين ومائتين وألف ودفن في طريق المغارة الشاذلية على يمين المار إليها عليه رحمة الله ورثاه الشيخ أبو الوفاء الصادق ثابت بقوله: [الكامل]
عمَّ الأسى إذ راع كلَّ جنان ... خطب ألم ففاضت العينانِ
هدَّ الردى للعلم طودًا شامخًا ... وأراك كيف تضعضعُ الأركانِ
فاعجب لخطب هائل عظمت به ... شمسُ الكمال بمغرب الأكفان
ما كان إلا درَّةً صينت لدى ... فقدانها من لحده بصيان
صدر الصدور محمد البنا الذي ... أربت فضائله على الحسبان
علم تقربه العيون فكيف لا ... تبكيه دومًا بالنجيع الغاني
قد كان سيفًا للشريعة صارمًا ... لم ينب صارمه طويل زمان
مستبدلًا ثوب العفاف مراقبًا ... لله في الإسرار والإعلان
ومواقف العلم المرفع أهلها ... قد كلن من أبطالها الشجعان
وإذا دجا إيهام مشكلة عرت ... وأبى انبلاج صباحها ببيان
وجرت بها الأفكار ثم تسابقت ... جلَّى فكان مجلي الميدان
لله فذ فاضل قد زانه ... بحلى خطير جواهرٍ عقدان
نسب إلى الهادي المشفع ينتمي ... ورحيب علم نيط بالإتقان
كم أمَّهُ مسترشدٌ بإفادة ... بغزير علم من صحيح مبان
موت الفحول رزية بحلولها ... حقًا تكون تضاعف الأحزان
لا ينزع العلم انتزاعًا إنما ... فقدانه لذهاب أهل الشَّانِ
لهفي على فذ المعالي والتقى ... ركن الفخار ومورد الظَّمآن
هو بحر علم كل من قد أمَّه ... نال اقتناء الدر والمرجان
وإذا رأيت عجائبًا يومًا به ... وافتكَ أضعاف لها في الثَّاني
فالجامع المعمور يشكو فقده ... فلكم أفاد به من العرفان
يبدي الغريب من النقول محققًا ... ما صحَّ فيها من ذوي التَّبيان
ولكم بمنبره أبان مواعظًا ... إذ كان من فرسان هذا الشَّان
يجلو صدى رين القلوب بزجرها ... ويرغِّبُ الألبابَ في الإحسان
ويحذر الناس الدُّنا ويقوم في ... محرابه بالذكر والقرءان
يأتيه من بعد المسافة راجلًا ... يرجو ثواب الواحد المنان
ووفود أصحاب الفتاوي نحوه ... تحدو المطي قصّيه والدانِ
كم أسهرت منه الجفون لأجلها ... وجرى على القرطاس رقم بنان
أما مجالسه البهية فهي لا ... تخلو دوامًا عن دقيق معان
فهي الرياض تفتحت أزهارها ... ودنا قطاف ثمارها للجان
أورد بها ما شئت تلف جوابه ... بصحيح عارضة وثبت لسان
مستبشرًا يلقى العويص كأنما ... أتحفته بالورد والرَّيحان
ويريك منه ما يروق وينتحي ... في حلِّه طرقًا من التبيان
1 / 240