هنا مد جيمي يده في جيبه وأخرج وسام الشجاعة ليحمله قبالة عيني الرجل المريض. وقال إنه قد سرح مؤخرا من الجيش، وإنه ليس لديه منزل في الوقت الحالي، وسيسره أن يبقى في ذلك المنزل الدافئ ويفعل ما في وسعه، لكن لا بد أن يحصل على توجيهات، توجيهات كاملة، بخصوص ما عليه أن يفعله للنحل.
ابتسم سيد النحل ابتسامة نادرة ومضيئة، واستلقى على الوسائد كما لو كان راضيا، ثم قال: «في أي يوم قد يأتي الكشافة الصغير، إنه مساعدي، ويمكنك أن تسأله أي شيء تريد معرفته وستحصل على إجابة سديدة. ومن الممكن أن تخبرك جارتي مارجريت كاميرون بالكثير، كما أنها طاهية ممتازة. أخبرها بما تحبه ويمكنك أن تستخدم ملابسي وفراشي.»
وهنا أغمض عينيه وسقط غائبا عن الوعي.
بعد دقائق قليلة جاءت سيارة الإسعاف ومضى في طريقه نحو المستشفى جسد الرجل العجوز ذي الوجه الذي يمثل نموذجا رائعا لتجسيد أي من القديسين القدماء. في غضون ما لا يزيد عن دقيقة حصل جيمي على عنوان المستشفى من الطبيب الذي كان قد جاء من أجله، وعلى وعد باتصال هاتفي بعد إجراء الفحص. وقد راق له الدكتور جرايسون، وراقت له اللمسة التي وضع بها يده على حطام الرجل العجوز الطيب الراقد على الأريكة، والطريقة العطوفة التي انحنى بها على الجسد العليل، وكل نبرة في الصوت الذي شرح به الحالة. «ظل سيد النحل يتحاشى انهياره حتى داهمه. لا بد أن يذهب إلى المستشفى. ولا بد أن يبقى لإجراء عملية ظل يتجنبها طوال عام أو عامين. أرجو أن تستطيع أن تعد العدة للإقامة هنا، ما دمت الرجل الذي اختاره، لعدة شهور على الأقل.»
رفع جيمي يده المرتعشة إلى شفتيه الجافتين وقال مكررا ومرددا: «لكنني لا أعرف شيئا عن النحل! لا أعرف أي شيء عن النحل مطلقا!»
بعد أن تحركت سيارة الإسعاف بعيدا، عاد مترنحا إلى المنزل ودخل المطبخ مباشرة، حيث أنهى ما تبقى من الحليب، وقد أكسبه هذا بعض القوة حتى إنه تخطى الباب الخلفي ونظر باتجاه سفح جبل صغير حيث بدا العالم كله نابضا بالحياة ومتألقا بالزهور تلو الزهور من الأنواع قديمة الطراز نفسها التي ازدهرت حول الواجهة، وعلى الجانبين على امتداد الخط الخارجي لأرض واسعة لا بد أن مساحتها بلغت فدانين على الأقل، كان هناك حرفيا مئات القفائر البيضاء المقببة التي أخذ النحل المثقل يطير نحوها بطنين خفيض. ثم أمكنه أن يرى مساحة من الرمال الذي بدا مثل الفضة، بعدها استطاع رؤية وسماع الحركة المنتظمة للمحيط الهادئ عند انخفاض المد.
ظل واقفا هناك إلى أن لم يعد قادرا على الوقوف؛ ثم أغلق الباب وأوصده وعاد إلى الأريكة. هوى عليها، وتخلص من حذائه، وخلع معطفه عن كتفيه، وسحب دثارا هنديا فوق صدره، وأنزل الوسائد أكثر، ثم غاب عن الوعي كما غاب عن الوعي سيد النحل قبل قليل.
الفصل الرابع
في حديقة النحل
لم يستيقظ جيمس ماكفارلين قبل عصر اليوم التالي، ولم يستعد وعيه شاعرا بالانتعاش أو النشاط. حين حاول اتخاذ وضع الجلوس اكتشف أنه كان يشعر بالألم في كل موضع، أن كل عظمة في جسده تتوجع وجعا غير محتمل، وحين وضع قدميه على الأرض وفحصهما بدقة ثم نظر إلى حذائه، أدرك أن الحذاء سيظل ضيقا على قدميه لبعض الوقت.
ناپیژندل شوی مخ