اعتدل الرجل الثاني وقال على مهل: «رجل وامرأتان. هل المرأتان صغيرتان وحسناوان؟»
اندفع كل دم جيمس ماكفارلين إلى رأسه، ثم عاد إلى يديه وقدميه، حيث المكان الأمثل لوجود الدم أثناء العراك. وإذ به لم يعد جنديا مريضا يتكل على عطف الأغراب العابرين. كانت معدته قد تقوتت بالبطاطس واللحم والقهوة والخبز الذي قاسمته إياها آن برونسون الباسمة. كما قد شرب المياه التي أتته بها سوزان الصغيرة المرحة، وغسل وجهه المنهك بها. لم يكن لديه أدنى شك أن النقود التي ستسدد بها نفقات الرحلة كانت في جيب أحد أفراد المجموعة. لقد اكتسبوها بالعمل الشاق في مزرعة. وقد خرجوا في نزهة ترفيهية وهذا يحق لهم، وقد حظوا بوقت ممتع حتى الآن، لكن إن كانوا سيجردون من مالهم، وإن كان ويليام برونسون سوف يضرب حتى يفقد الوعي أو يقتل، وإن كانت المرأتان اللتان عطفتا على جيمي ستتركان تحت رحمة هذين الشخصين الواقفين في الوادي أمام عينيه، فما زال في العالم شيء عظيم الشأن ليفعله، أو حتى يبذل ما تبقى له من عمره محاولا القيام به.
ومن ثم، مثل ثعبان فوق الأحجار، استجمع قواه ومد يده متلمسا قطعة كبيرة من صخرة سائبة، وحين حانت اللحظة الحاسمة عندما اقترب الرجل الضخم من الأصغر حجما ليسمع وصفه لنساء المخيم، عندئذ بهدوء، وقد تستر بفرع البلوط، فعل جيمي ماكفارلين شيئين في الوقت نفسه. مد يده اليمنى إلى المسدس الذي في الجراب على ظهر الرجل الضخم، وبيده اليسرى هشم الصخرة المثلمة مباشرة في وجه الرجل الذي كان لعابه يسيل من وصف فتاة صغيرة رقيقة. حين استدار الرجل الضخم وجد مسدسه وقد أشهر في وجهه، ولم يكن أمامه سوى التراجع رافعا يديه في الهواء كما أمر، بينما نزل جيمي ماكفارلين من فوق الصخرة، وقد شعر بأنه الأطول قامة والأضخم بنيانا، وخلص السلاح من أصابع المجرم الذي راح ينزف وكاد يفقد وعيه. وبعد أن استحوذ على السلاحين، ابتعد جيمي بنفسه عن الرجلين مسافة كافية من أجل سلامته.
ثم قال للرجل الأضخم جثة: «ارم لي حزام الخرطوش وحذاءك وسروالك.» وبخصوص الرجل الأصغر قال له: «اخلع عنه هذا المعطف وارمه لي، وقبعته أيضا.» حين صارت هذه الملابس بحوزته، ظل يتراجع مبتعدا أكثر، ثم وضع أحد السلاحين على مقربة شديدة منه، وبدل الآخر من يده اليمنى إلى يسراه، وهكذا تمكن من خلع زيه الرسمي كجندي في جيش الولايات المتحدة. ونزع عنه الحذاء ذا الرقبة والسروال والمعطف، ولم يحتفظ سوى بصفيحته المعدنية التعريفية وميدالية الشجاعة، ثم ارتدى الأشياء التي جمعها.
ثم أزاح الأشياء التي كان سيتركها بقدمه مجمعا إياها، وتراجع ومعه الأسلحة وحزام الخرطوش بحوزته هابطا نحو الوادي حتى صارت بينه وبين المجرمين مسافة كافية ليجرؤ على أن يوليهما ظهره ويمضي في سبيله بأسرع ما يمكن للرجوع إلى المخيم.
في عتمة ظل أحد الفروع، أيقظ ويليام برونسون بأقصى ما استطاع من الهدوء وشرح له لماذا غير ملبسه، ودس في يد مضيفه أحد السلاحين اللذين كان يحملهما. وخشية أن يكون هناك شركاء ربما يتبعون المجرمين، فض المخيم على عجل، وكوم كل شيء في السيارة، وسرعان ما ابتعدوا أميالا عن الرجلين اللذين ينهبان من دون تمييز أموال الآخرين وسعادتهم.
حين ابتعدت السيارة بحملها، استلقى جيمي ماكفارلين وأسند رأسه إلى دعائم غطاء السيارة وضحك ضحكة واهنة.
وقال لآل برونسون: «ليست تدريبات الجيش بالغة السوء، على أي حال. فإنني أشك حقا أنني كنت سأتمكن من الاختباء أو أستطيع سلب أحد الرجال سلاحه وتحطيم وجه الآخر في آن واحد، لو لم أكن جنديا قط. وبالنسبة إلى أخذ ملابسهم، فإنني أعلم أن حكومتنا لا تريد أن يستخدم جنودنا الذين سرحوا من الجيش ملابسهم الرسمية لمزيد من الوقت؛ لذا فمن المستحسن أن أتخلص من الزي الرسمي منذ اليوم الأول الذي أعود فيه مواطنا أمريكيا عاديا.»
إن ما قد يدور بخلد ويليام برونسون وزوجته وابنته بشأن هذا الأمر وهم في أمان في مزرعة داخل ولاية آيوا، حيث هناك متسع من الوقت للتفكير، هو أنه أمر عادي. لكن ما خطر ببالهم وهم يهربون على طريق كاليفورنيا مع سلاحين في سيارتهم، وخلفهم اثنان من المجرمين الحانقين اللذين قد يلحقان بهم في سيارة أسرع في أي لحظة، بصحبة مجرم ثالث ربما، فقد كان مسألة مختلفة تماما. جلست سوزي برونسون في المقعد الأمامي وهي تحمل المسدس الذي أعطي لأبيها ليكون في متناول يده. وجلست السيدة برونسون في المقعد الخلفي بعينين متسعتين وقلب ملؤه الارتياع. داس ويليام برونسون على دواسة الوقود وانعطف مع كل مفترق طرق قابله. لم يأبه البتة إلى أين سيذهب. فقد كان كل ما يريده هو الابتعاد عن المكان الذي كان فيه. انتابه شعور أن رؤية أضواء أي بلدة صغيرة في كاليفورنيا ستبدو له غاية المراد في تلك اللحظة.
أما جيمي ماكفارلين، فكان قد استمتع بغدائه، وحصل على ملابس لا تدل على أنه الرجل الذي اختفى من مستشفى آروهيد؛ كان يعلم أين يتوقع أن يحصل على فطوره، واعتبر علاقته منتهية بعالم المستشفيات، وما دام استطاع القيام بهذه المغامرة في أول يوم من أيام حريته، فقد كان الأمل كبيرا في أن يظل على الأقل قادرا على الاحتفاظ ببأسه في اليوم التالي. وهكذا، في ظل ما اعتراه من إنهاك تام، بدأ رأسه يسقط بطيئا على صدره واستغرق في النوم. ظلت السيدة برونسون، التي اعتراها الشك إزاء مسألة الملابس، تتفحصه بتمعن بقدر ما استطاعت في ضوء الليل. وقد بدا تماما مثل أي أمريكي محترم ذي أصول اسكتلندية، أعياه المرض. وأخيرا همست لابنتها قائلة: «سوزي، هل تستطيعين البحث عن وسادة لهذا الفتى المسكين؟ فإنه كما ترين كان معتلا للغاية وقد بلغ منه الإنهاك مبلغه.»
ناپیژندل شوی مخ