صلى بنا يومًا سعيد بن سليمان القاضي صلاة الجمعة في المسجد الجامع بقرطبة، ثم خرجنا معه نمشي نحو داره، فلما انتهى إلى باب الفرن الذي كان يطبخ فيه قال لصاحب الفرن: أطبخت خبزتي؟ فقال له: نعم. قال: فهاتها. فناوله إياها، فصيرها تحت عضده، وقوم طريقه إلى داره، ونحن نمشي معه، ونحن قد أخرنا دوابنا إجلالًا له، حتى أديناه إلى منزله، فسلم علينا ودخل وانصرفنا عنه.
وفي كتاب القاضي أبي الوليد ابن الفرضي: هو سعيد بن سليمان بن حبيب بن المعلى بن إدريس بن محمد بن يوسف الغافقي البلوطي، استقضاه الأمير عبد الرحمن بن الحكم مرتين.
يحيى بن معمر الألهاني قال محمد بن حارث: يحيى بن معمر بن عمران بن منير بن عبيد بن أنيف الألهاني، من العرب الشاميين وكان من أهل إشبيلية، منزله منها بمفرانه، قرية بقرب الحاضرة، وعليها ممر السابلة، وكان في وقته فقيه إشبيلية وفارضها، وكانت له رحلة لقي فيها أشهب بن عبد العزيز، وسمع منه ومن غيره من أهل العلم، وكان ورعًا زاهدًا فاضلًا عفًا مقبلًا على عمارة ضيعته وترقيح معيشته، فانتهى خبره إلى الأمير عبد الرحمن، وقد احتاج إلى قاض، فاعتامه للقضاء، واستقدمه إلى قرطبة، فقلده قضاء الجماعة بها، فصدق الظن به، واغتدى من خير القضاة في قصد سيرته، وحسن هديه، وصلابة قناته، وإنفاذ الحق على من توجه عليه، لا يحفل لومة لائم فيه.
وكان إذا أشكل عليه أمر من أحكامه واختلف عليه فيه فقهاء قرطبة تأنى بهم، وكتب فيه إلى مصر إلى أصبغ بن الفرج وغيره من نظرائه، فيكشفهم على وجه ما يريد
1 / 190