ونعينك على شأنك! فقال له: سبحان الله يا سيدي! تقول ذلك في شعر كددت فيه خاطري، وأتعبت فيه ذهني؟ فلا والله ما أخذته من أحد، ولا سويته إلا من نظمي! فقال له محمد: باطل! إنه لشعر قد رويته قديمًا وحفظته، فإن شئت فاستمع إليه أنشدكه وبدأ فأعاد الشعر عليه أو أكثره. فبقى حائرًا لما فجأه به، وقد زال طمعه، وانقطعت حجته، واشتدت فجعته. فلما رأى محمد سوء مقامه قال له: خفض عليك، فأني مزحت معك، وإنك الصادق فيما قلت، الحقيق بالثواب على ما قرضت، وإنما أعانني عليك قوة حفظي الذي ذهبت إلى اختباره معك. ولا والله ما سمعت بهذا الشعر قبل يومي. فسرى عن الشاعر همه، وأجزل صلته.
قال: وتوفي محمد بن سعيد هذا الأصمعي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وأعقب ابنًا نجيبًا يسمى حامد بن محمد ورث مكانه من الأدب والمعرفة والكتابة والبلاغة، فسلك سبيله في خدمة السلطان، وارتقى فوق ذروة أبيه بخطة الوزارة، بحضرة الأمير محمد بن عبد الرحمن. وقد كان أديبًا حليمًا عفا جميل الخصال، خلا أنه كان يعاب بالبخل والاقتصاد، فيضحى للذم في عرضه ذريعة.
قيل لمؤمن بن سعيد الشاعر البذيء: ما بالك لا تسامر الوزير حامدًا أو تراكبه حسبما نراك تفعله مع الوزراء من أصحابه مع قديم اتصالك به وسببك إليه؟ فقال مؤمن بن سعد: هذه جنازة غريب لا يصحبها من صحبها إلا الله تعالى! ونميت كلمته إلى حامد، فحقدها عليه. وشيعه مؤمن بعيد أيام في خروجه من القصر إلى داره لا ينكر ما عرفه من أنسه به ومذاكرته، فلما أراد مؤمن الانصراف قال له حامد: أعظم الله أجرك أبا مروان! وكتب خطاك! - دعاء مشيع الموتى -، تعريضًا له بقوله ومن نوادر حامد بن محمد الزجالي ما حكاه محمد بن نصر، قال:
غلط إمام الوزير حامد بن محمد ليلة في بعض قراءته في صلاة التراويح في شهر رمضان
1 / 174