د عربو بلاغت ته د مطالعې دپاره مقدمه
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
ژانرونه
النزعات المختلفة في فهم البلاغة
يقرر العالم نظريته ويبرهن على رأيه، ولا يكاد ينتهي من تقريره البرهان حتى تخرج الحقيقة من نفسه إلى نفوس سامعيه، وتظهر آراؤه لدى تلاميذه جلية واضحة، وتنتقل من تلاميذه إلى غيرهم، وتدخل في مائة نفس، وتملأ ألف رأس، كما خرجت من نفس قائلها، وكما قررها الأستاذ الأول، لا تؤثر فيها نفس أخرى، ولا تغيرها آثار الناس. فالقضية القائلة: «إن مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين.» والقضية القائلة: «إن الاحتكاك يولد حرارة.» لا تزال هي هي في كل رأس وعند أي إنسان.
أما في البلاغات وفي أنواع الفنون فالأمر غير ذلك؛ لأن أثر الكاتب لا بد أن يكون ظاهرا فيها ظهورا تاما؛ فهو الذي يميزها من سواها ومن الأذواق الأخرى، وهو الذي يكسبها رونقا وجمالا، أو يجعلها ثقيلة على النفس. ولكن ذوق الكاتب أو الشاعر لا يتفق مع كل نفس، ولا يفهم بطريقة واحدة؛ لاختلاف الأذواق في طرق الإدراك، التي يرجع إليها في الحكم على الفنون وفي تذوق الجمال؛ ولذلك يختلف الناس في تقدير وقبول البيت والقصيدة من الشعر. كذلك الحال في الموسيقى والتصوير: تكون هذه الصورة جميلة مقبولة لدى إنسان، وغير مقبولة عند آخر، ونجد فلانا الموسيقار الشهير له طائفة تحبه، وترغب في سماع صناعته؛ لأن نغماته شجية، وهؤلاء يميلون للحزن والابتئاس، على حين أننا نجد آخرين لا يرغبون في هذا النوع الذي لا يحمل على السرور. غير أن هذه الفروق في الأذواق تقل في جماعة تربوا على طريقة واحدة، وعاشوا في بيئة واحدة، وفي زمان واحد. ولكن متى كان للعواطف أثر في إدراك الجمال والحكم عليه؛ كان للخلاف مجال واسع في تقويمها، هذا الاختلاف في الفهم والإدراك هو الذي يحيي ويميت المذاهب والأفكار المختلفة في كل زمان؛ ومن هنا تنشأ الحركة الفكرية واختلاف المذاهب والأطوار، وتتولد المذاهب الكتابية أو مذاهب البلاغة؛ لأن أثر الأفكار وأثر حركة العقول يظهر دائما في بلاغات الأمم الحية؛ إذ البلاغات ليست إلا صورة من حركات الأفكار، كما حصل في القرن الثامن عشر في فرنسا، حيث انتشرت الفلسفة، وانحط الخيال وسقطت منزلة الشعر، وفي القرن التاسع عشر، حيث ابتدأت البلاغة بالمذهب الوجداني، ثم بمذهب الطبعيين، ثم بمذهب الحقائق، وكما حصل في بلاغة العرب أن انحطت منزلة الشعر عند ظهور الإسلام - على رأي بعض الأدباء - أي قل احترام المسلمين للشعر في ذلك الوقت لاشتغالهم بالدين ونشر دعوته.
1
ولما أسس بنو أمية دولتهم انتشرت أنواع الهجاء في الشعر، وشجع الخلفاء الشعراء على مدحهم وذم أعدائهم، بما كانوا يفيضون عليهم من العطايا والأموال الكثيرة، وظهرت كل أنواع الشعر، وانتشر الغزل وظهر من كبار رجاله جميل وكثير وابن أبي ربيعة وغيرهم، وأخذ يظهر المجون، وبينما كان هؤلاء وغيرهم ممن أتى بعدهم زمن العباسيين يفهمون البلاغة نوعا من جمال القول، وضربا من تسلية النفس، وشيئا من المجون والخلاعة، وأحيانا آلة للدفاع عن النفس والأهل، ووسيلة من وسائل الكسب، جاء علماء اللغة والأدب كالأصمعي وأبي عبيدة وغيرهم، فلم يحفلوا بالمحدثين ولا بأشعارهم؛ لأنهم كانوا ينظرون إلى الشعر نظرة أخرى غير نظرة أصحاب الفنون، وكادوا يقصرونه على استنباط الأدلة اللغوية، وجعلوه وسيلة لتفسير الآيات الكريمة والأحاديث النبوية، وغمطوا من حق الصنعة، ووضعوا من قدر المحدثين، لا لشيء سوى أنهم محدثون.
2
ولما انصرف المسلمون انصرافا تاما إلى الاشتغال بتفسير القرآن الكريم، واهتم العلماء والأدباء منهم بجمع الأشعار واللغة. قالوا: إن علوم الأدب جمعاء وسيلة لفهم كتاب الله - تعالى - وقالوا: إن حكم البلاغة وحكم معرفة العلوم الأدبية الوجوب الكفائي، وشرفها بشرف ما يتوصل إليه، فهي كلها علوم آلية (كما قال ابن خلدون في مقدمته)، كذلك كان فهم المسلمين للأدب والبلاغة، حتى لقد ترفع كثير منهم عن قول الشعر وذمه ذما؛ لأن السواد الأعظم من الشعراء جعله وسيلة للسؤال، على ما كان له من الرفعة في المنزلة والروعة في المدح والذم، وكان الأمراء والخلفاء يملقون الشعراء ويخافونهم. فلم يكن الشعر والبلاغة صورة من الاجتماع العام أو الخاص، أو شيئا جديا في المجتمع، بل كان شبه ألعوبة للأهواء والأغراض وتسلية للنفوس، ولم يكن لشاعر أن يقصد إلى تربية النفوس وتهذيب الأخلاق، أو إظهار صورة عامة من صور الحياة، إلا ما جاء عفوا عند بعض الشعراء الزهاد والحكماء مثل: أبي العتاهية، والمتنبئ، وأبي العلاء. فكانت روح البلاغة أو الروح الأدبية كأنها في حالة اختناق؛ لأنها انحصرت في طائفتين، وكلتا الطائفتين لم تعمل على رقيها كما كان ينبغي: فطائفة العلماء والمشتغلين بالدين والعلوم العربية اهتموا بالبلاغة من أجل ذلك فقط، فكان همهم الجمع والدرس، لا لشرح هذه البلاغة من حيث إنها بلاغة، أو من حيث إنها أثر أدبي، أو من حيث إنها نتيجة جهد العقول والقرائح، بل لأنها وسيلة من وسائل حفظ اللغة وفهم مفرداتها.
وعلى ذلك انتشر هذا المذهب وبني النقد الأدبي، بل لم يفهم الأديب أو اللغوي أو العالم الأدب إلا من هذه الوجهة؛ ومن هنا قالوا: الغرض من الأدب التوصل إلى فهم كتاب الله تعالى. روى الجاحظ عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أنه قال: «كفاك من علم الدين أن تعلم ما لا يسع جهله، وكفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثل.»
3
وقيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: ما بلغ بك الجنة، وعدل بك عن النار، وما بصرك مواقع رشدك وعواقب غيك.
ناپیژندل شوی مخ