قلت: فما المنطق؟ قال: آلة بها يقع الفصل والتمييز بين ما يقال: هو حق أو باطل، فيما يعتقد، وبين ما يقال: هو خير أو شر، فيما يفعل، وبين ما يقال: هو صدق أو كذب، فيما يطلق باللسان، وبين ما يقال: هو حسن أو قبيح بالفعل.
قلت: فهل يعين أحدهما صاحبه؟ قال: نعم، وأي معونة إذا اجتمع المنطق الحسي؟ فهو الغاية والكمال! قال: ويجب أن تعلم أن فوائد النحو مقصورة على عادة العرب بالقصد الأول، قاصرة عن عادة غيرهم بالقصد الثاني. والمنطق مقصور على عادة جميع أهل العقل من أي جيل كانوا وبأي جيل كانوا وبأي لغة أبانوا، إلا أن يتعذر وجود أسماء عند قوم وتوجد عند قوم، فحينئذ الحال في التقصير يتورك على تعذر الأسماء أو على وضعها على الخلاف، إما بالتواطؤ والاصطلاح، وإما بالطبع والأسماع.
قال: وبالجملة، النحو يرتب اللفظ ترتيبًا يؤدي إلى الحق المعروف أو إلى العادة الجارية، والمنطق يرتب المعنى ترتيبًا يؤدي إلى الحق المعترف به من غير عادة سابقة. والشهادة في المنطق مأخوذة من العقل، والشهادة في النحو مأخوذة من العرف، ودليل النحو طباعي، ودليل المنطق عقلي. والنحو مقصور، والمنطق مبسوط. والنحو يتبع ما في طباع العرب، وقد يعتريه الاختلاف، والمنطق يتبع ما في غرائز النفوس. وهو مستمر على الائتلاف. والحاجة إلى النحو أكثر من الحاجة إلى المنطق، كما أن الحاجة إلى الكلام في الجملة أكثر من الحاجة إلى البلاغة، لأن ذلك أول، وهذا ثان. والنحو أول مباحث الإنسان، والمنطق آخر مطالبه. وكل إنسان منطقي بالطبع الأول، ولكن يذهب عن استنباط ما عنده بالإهمال، وليس
1 / 171