آلهتهم، إلا من كانت معرفته من جنس معرفة العامة، واستبصاره من قبيل استبصارها، وعبارته في طريق عبارتها، والعامة لا توحيد لها، ولا حقيقة معها، ولا مبالاة بها.
قلت لأبي سليمان في هذا الموضع: حصل لنا في هذه المسألة جوابان: أحدهما زجر عن النظر في هذا العلم، على ما طال الشرح فيه، والآخر على هذه الفائدة التي تكاد الروح تطير معها طربًا عليها، فهل يجوز أن نعتقد فساد أحد الجوابين؟ وهو ما نهى عن التبصر فيه والأخذ بالحظ الوافر منه ليكون الجواب الآخر جامعًا لوجوب الحق؟ فقال: الجوبان صحيحان، وذلك أن ها هنا أنفسًا خبيثة، وعقولًا رديئة، ومعارف خسيسة، لا يجوز لأربابها أن ينشقوا ريح الحكمة، أو يتطاولوا إلى غرائب الفلسفة، فالنهي ورد من أجلهم، وهو حق والحال هذه الحال. فأما النفوس التي قوتها الحكمة، وبلغتها العلم، وعدتها الفضائل، وعقدتها الحقائق، وذخرها الخيرات، وعمارتها المكارم، وهمتها المعالي، فإن النهي لم يتوجه إليها، والعيب لم يوقع عليها؛ كيف يكون ذلك وقد بان بما تكرر القول فيه، أن فائدة هذا العلم أجل فائدة، وثمرته أحلى ثمرة، ونتيجته أشرف نتيجة؟ فليكن هذا كله كافا عن سوء الظن، وكافيًا لك عما وقع القول فيه وطال بين هؤلاء السادة الجحاجحة في الفهم والعلم والبيان والتصفح.
هذا أبقاك الله آخر ما نقلت به من حكاية هذه المقابسة بين هذه الطائفة الفاضلة، وقد اعتذرت إليك في خلالها مرارًا من قصور لا حيلة لي فيه، ومن تقصير لم أقصد اختياري إليه، وظني بايثارك لستر القبيح على إخوانك، ونشر الجميل عن أصدقائك جميل، والله كافي وكافيك، ونعم الوكيل.
1 / 138