كتاب منتقى الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع تأليف الحافظ
مخ ۹۷
جلال الدين السيوطي بسم الله الرحمن الرحيم فرع: قال في شرح المهذب: من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدن من إيقاد العظيمة السرف في ليالي معروفة من السنة كليلة نصف شعبان فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة. منها: مضاهاة جلوس المجوسي في الاعتناء بالنار والاكثار منها. ومنها: إضاعة المال في غير وجهه. ومنها: ما يترتب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل اليطالة ولعبهم ورفع أصواتهم ولقربانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أساخ فيها وغير ذلك من المفاسد التي يجب صيانه المسجد من أفادها (1). انتهى. قال ابن العماد: ومن المفاسد أيضا ما يفعل في الجوامع من إيقاد الفناديل وتركها إلى أن تطلع الشمس وترتفع، وهو من فعل اليهود في كنائسهم كما نبه على ذلك الشيخ زين الدين الكناني وأكثر ما يفعل ذلك في يوم العيد وهو حرام. قال: ويشبه ذلك وقود الشمع الكثير ليلة عرفة، وقد ذكر النووي في شرح المهذب أنه حرام شديد التحريم. وقال ابن الحاج في المدخل: ليس للانسان في المسجد إلا موضع قيامه وسجوده وجلوسه وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين (1) فإذا بسط لنفسه شيئا ليصلي عليه احتاج لاجل سعة ثوبه أن يبسط شيئا كثيرا ليعم ثوبه على سجادته فيكون في سجادته اتساع فيمسك بسبب ذلك موضع رجلين أو نحوهما إن سلم من الكبر من أنه لا يضم إلى سجادته أحدا. قال فإن لم يسلم من ذلك وولى الناس عنه وتباعدوا منه هيبة لكمه وثوبه وتركهم وهو لم بالقرب إليه فيمسك ما هو أكثر من ذلك فيكون غاصبا لذلك القدر من المسجد فيقع بسبب ذلك في المحرم المتفق عليه المنصوص عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حيث قال: (من غصب شبرا من الارض طوقه يوم القيامة إلى سبع أرضين) (2) وذلك الموضع الذي أمسكه بسبب قماشه وسجادته ليس للمسلمين به حاجة في الغالب إلا وقت الصلاة وهو في وقت الصلاة وهو في وقت الصلاة غاصب له فيقع في هذا الوعيد بسبب قماشه وسجادته وزيه، فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد هو إلى أن يمثلئ المسجد بالناس ثم يأتي كان غاصبا لذلك الموضع الذي عملت السجادة فيه لانه ليس له أن يحجره وليس لاحد فيه إلا موضع صلاته انتهى. فرع: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد (3): وأما فضيلة المساجد فليست راجعة إلى أجرامها ولا إلى اعراض قامت بأجرامها وإنما ترجع فضيلتها إلى مقصودها من إقامة الجماعات والجمعات فيها وذلك الاعتكاف فيها، ولذلك منع من البيع والشراء فيها، وإيداع الامكان والازمان لهذه الفضائل كإيداع الانبياء والرسل النبوة والرسالة ليست إلا جودا من الله ولذلك قالت الرسل لقومهم (إن نحن إلا بشر مثلهم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) وكذلك سائر الاوصاف الشراف لم يضعها الرب سبحانه في من شاء من عباده لمعنى اقتضاها واستدعاها بل ذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء، كذلك من من به من المعارف والاحوال وحسن الاخلاق، ولم يكن ذلك إلا فضلا من فضله وجودا من جوده على من يشاء من عباده. وكذلك الامكان والازمان أودع الله في بعضها فضلا لاجودله في غيرها مع القطع بالتماثل والمساواة. وكذلك الاجسام التي فضلت بأعراضها كالذهب والفضة وسائر الجواهر النفيسة. فرع: قال ابن العماد: قال بعض مشايخنا: الابخر ومن به صنان مستحكم حكمه حكم من أكل الثوم والبصل (1) في منع دخول المسجد وأولى، وفي فتاوى ابن تيمية وبه صرح المالكية أن من بالجذام والبرص وهو من سكان المدارس والرباطات أزعج وأخرج لقوله صلى الله عليه وسلم لا يورد عاهة على مصح) (2). قال ابن العماد: وعلى هذا فيمنع من به برض أو جذام أو صنان مستحكم أو يخر من الجماعات والجمعات ولا يمنع وحده خلف الصفوف ولا يمنع الغير من الصلاة معه وللغير من الوقوف معه ويمنع المجذوم والارص من الشرب من السقايا المسبلة في المساجد وغيرها للحديث السابق، وحكم من رائحة ثيابه كريهة كثياب الزياتين والدباغين ونحو هم حكم آكل الثوم (1). وقد نقل الخصوصي مسألة الابخر ومن به صنان عن شيخه البلقيني فهو الذي أشار به ابن العماد قال: ويستحب لقاصد المسجد أن يتوضا في بيته لحديث: قال الله تعالى إن بيوتي في أرضى المساجد وإن زواري فيها عمارها وطوبى لعبد تطهر في بيته زارني في بيتي انتهى. قال الزركشي: يجوز دخول الذمي المسجد بلا إذن لحاجة إلى مسلم أو حاجة مسلم إليه. ذكره الروياني وفيه نظر (2). انتهى. قال في شرح المهذب: جاء في دخول الحمام عن السلف آثار متعارضة في الاباحة والكراهة. وأما أصحابنا فكلا مهم فيه قليل وممن تكلم فيه من أصحابنا الامام الفقيه الحافظ أبو بكر السمعاني: جملة القول في دخول الحمام أنه مباح للرجال بشرط الستر (3) وغض البصر ومكروه للنساء إلا لعذر من نفاس أو مرض.
مخ ۱۰۲
وللداخل آداب: منها أن ينذكر بحره حر النار ويستعيذ بالله من حرها ويسأله الجنة وأن يكون قصده التنظيف والتطهير دون التنعيم والترفه. وأن لا يدخله إذا رأى فيها عاريا، ويستغفر الله إذا خرج ويصلي ركعتين. وقال الغزالي في الاحياء: لا بأس بدخول الحمام، دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمامات الشام، وعلى داخله واجبات وسنن فعليه واجبات في عورته صونها عن نظر غيره ومسه فلا يتعاطى أمرها وإزالة وسخها إلا بيده، وواجبات في عورة غيره أن يغض بصره عنها وأن ينهاه عن كشفها، لان النهى عن النكرات واجب فعليه ذلك وليس عليه القبول (1).
مخ ۱۰۳
قال: ولا يسقط الانكار إلا لخوف ضرر أشتم أو نحوه، ولا يسقط عنه بظنه أنه لا يفيد. قال: ولهذا صار الحزم في هذه الازمان ترك دخول الحمام إذ لا يخلو عن عوراث مكشوفة لا سيما ما فوق العانة وتحت السرة، ولهذا يستحب إخلاء الحمام. قال: والسنن عشرة: النية بأن لايدخل عبثا ولا لغرض من الدنيا بل بقصد التنظيف المحبوب، وأن يعطي الحمام أجرة قبل دخوله، ويقدم رجله اليسرى في دخوله قائلا بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس النجس الخبث المخبث الشيطان الرجيم، وأن يدخل وقت الخلوة أو يتكلف إخلاء الحمام، فإنه وإن لم يكن في الحمام إلا أهل الدين والمحتاطون في العورات، ثم لا يخلو الناس في الحركات عن اكتشاف العوارت فيقع عليها البصر. وأن لا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الاول، وأن لا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فهو المأذون فيه، وأن يذكر بحرارته نار جهنم لشبهه بها، وأن لا يكثر الله إذا فرع على هذه النعمة وهي النظافة، ويكره من جهة الطب صب الماء البارد على الرأس عند الخروج من الحمام وشربه، ولا بأس بقوله لغيره عافاك الله، ولا بالمصافحة ولا بأن يدلكه غيره يعني في غير العورة. انتهى. قال ابن عبد السلام: وليس له أن يقيم به أكثر مما جرت به العادة (1). قلت: وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل القدمين بالماء البادر بعد الخروج من الحمام أمان من الصداع (2). فرع: سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن الرجل يدخل الحمام فيجلس بمعزل عن الناس إلا أنه يعرف بالعادة أن يكون معه في الحمام من هو كاشف عروته فهل يجوز له حضوره على هذه الحالة أم لا ؟
مخ ۱۰۴
فأجاب: يجوز حضور الحمام، فإن قدر عن الانكار أنكر فيكون مأجورا على إنكاره وإن عجز على الانكار أنكر بقلبه فيكون مأجورا على كراهته، ويحفظ بصره عن العورات ما استطاع ولا يلزمه الانكار، إلا في السوءتين لان العلماء الختلفوا في قدر العورة فقال بعضهم: لا عورة إلا في السوء تين (1) إلا أن يكون فاعل ذلك معتقدا لتحريمه فينكر عليه حينئذ، وما زال الناس يقلدون (2) العلماء في مسائل الخلاف ولا ينكر عليهم ولا يجوز للشافعي أن ينكر على المالكي فيما يعتقد الشافعي تحريمه والمالكي تخليله (3)، وكذلك سائر مذاهب العلماء (4) اللهم إلا أن يكون ذلك المذهب بعيد المأخوذ بحيث يجب نفضه فينكر حينئذ على الذاهب إليه وعلى من يقلده (1). انتهى . وسئل عما يعتاده الوعاظ من قص بعض الشعر لمن تاب من ذنوبه على أيديهم، ومن حلق جميع الرأس هل لهم مستند في ذلك أو هو بدعة ؟ فأجاب: أما خلق الرأس من غير النسك فإن كان لمرض فهو ضرب من التداوي المأمور به، وإن كان لغير عذر فهو مباح والمساعدة عليه محبوبة إذا كان تداويا، وجائزة إن كان مباحا، وقد كان الغالب على الصحابة قصا الشعر، ولذلك كان الحلق من شعار الخوارج وليس تعاطي ذلك بمحرم.
مخ ۱۰۶
أما القص فهو على وفق كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فإنه فعله الشيخ بالتائب كان مساعدا له على عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وليس ذلك ركنا من أركان التوبة ولا شرطا من شروطها. والبدع (1) أضرب (2) منها: أحدها: ما دلت الشريعة على أنه مندوب أو واجب ولم يفعل مثله في العصر الاول فهذا بدعة حسنة. الثانية: ما دلت الشريعة على تحريمه أو كراهته مع كونه لم يعهد العصر الاول فهذا بدعة قبيحة. الثالث: ما دلت الشريعة على إباحته مع كونه لم يعهد في العصر الاول، فهذا من البدع المباحة، وقص الشعر على وفق السنة ليس بمكروه ولا من البدع. وأما الحلق الذي تمس الحاجة إليه فلا بأس به أبضا (3).
مخ ۱۰۷
وقد أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلام قد حلق بعض رأسه فقال: احلقوه كله أو اتركوه كله (1). انتهى. تم الكتاب بحمد الله تعالى وحسن توفيقه، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبح وسلم.
مخ ۱۰۸