بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء واليه يرجع الْأَمر كُله وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم كلما جال الْفِكر فِي تيار هَذَا الْوُجُود انْقَلب الْعقل رَاجعا إِلَى الْإِقْرَار بِوُجُودِهِ ووحدانيته تَعَالَى قهرا فَلَا يُنكره إِلَّا جَاهِل لم ير لمحة من أسرار الْكَوْن وَلم يذقْ قَطْرَة من كوثر حكمته يظْهر الْأَشْيَاء ثمَّ يطويها ويخفي ساعتها ثمَّ يجليها وَيفِيض على قُلُوب من يَشَاء بَيَانهَا واليه الحكم فِي كتمانها وتبيانها وَيُعْطِي كل عصر مَا يَلِيق بقابليته وَمَا يلائم مدنيته الْحَاضِرَة فَهُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم والمعرضون عَن آثَار حكمته الباهرة صم بكم عمي فهم لَا يعْقلُونَ يناديهم من يُؤْتِي الْحِكْمَة ﴿فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ وهم لَا يسمعُونَ فَلهُ الْحَمد على مَا أولانا من المكاشفة على أسرار مَا أودعهُ من الحكم وإياه نسْأَل الْمَزِيد من إفَاضَة أنوار لَا تَنْقَضِي عجائبها وَلَا تَنْتَهِي غرائبها وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه حَكِيم الْحُكَمَاء وَسيد الْأَنْبِيَاء مُحَمَّد الْمَبْعُوث إِلَى جَمِيع الْأُمَم وعَلى اله وَصَحبه البدور الكاملين مَا نسخت آيَة من آيَات سر الْوُجُود فانسيت أَو أَتَى الله بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا فَأَتَت الصُّحُف على تذكار ذَلِك المنسي تحمل أَخْبَار الماضين للآتين ليتذكر أولو الْأَلْبَاب وليكون لَهُم جدولا يبنون على كل فَرد مِنْهُ الْفُصُول والأبواب وتذكرهم الأطلال والدمن مَا كَانَ لأسلافهم من الْآثَار وينادمهم الخيال فيهبوا للْجدّ والتذكار وَبعد فَيَقُول السَّائِل من وَاجِب الْوُجُود أَن يطلعه على أسرار الْحِكْمَة ويجعله مظْهرا لتِلْك النِّعْمَة عبد الْقَادِر بن احْمَد بن مصطفى بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الشهير كأسلافه بِابْن بدران السَّعْدِيّ الدِّمَشْقِي

1 / 1

لج بِي السهر لَيْلَة من اللَّيَالِي مُنْفَردا أنادم الأطلال والخيال فتجلت لي دمشق غادة حسناء مسفرة عَن جمال وَجههَا تَقول أَلا لفتة لأحاديث آثاري وهلا سَاعَة فِي تذكار أخباري فَقلت أَنا كَمَا تعلمين غَرِيب حل مأوى الغرباء كَمَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ (وَمَا غمَّة الْإِنْسَان فِي شقة النَّوَى ... وَلكنهَا وَالله فِي عدم الشكل) (وَإِنِّي غَرِيب بَين بست وَأَهْلهَا ... وان كَانَ فِيهَا أسرتي وَبهَا أَهلِي) من قوم تلاعبت بهم الأقطار فحلوا جيرانا بغوطتك الفيحاء فنادمي أبناءك يَا ليلى الغرام وحيي إحباءك المدعين بك الهيام فَقَالَت ألم بِرَبِّك فِينَا وليدا وَلَبِثت فِينَا من عمرك سِنِين ألم تتقلب فِي مدارسي وتلتقط ثمار الْحِكْمَة من مغارسي أما ضممتك إِلَيّ ورمقتك بنظري وسقت إِلَيْك خيري حَتَّى تبنيتك وَمَا تركتك وَكلما تَبَاعَدت عني طلبتك أما هجرتني إِلَى الفرنجة متجولا وأبت إِلَى سواحل إفريقية متحولا فأضرمت فِي قَلْبك نَار غرامي وجذبتك إِلَيّ بمغناطيس هيامي ثمَّ لججت فِي الهجر قَافِلًا إِلَى دوماك جرثومة الهمجية العريقة ببغض الْحُكَمَاء وَالْعُلَمَاء فذقت بهَا ألم التَّعَدِّي والحسد وأضنى حمرها المستنفرة مِنْك الْعقل والجسد وتألب أُولَئِكَ المتوحشون عَلَيْك يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الْحِكْمَة الَّذِي اطلعه الله فِي فُؤَادك ببغيهم وحسدهم ويأبى الله أَلا أَن يتم نوره وَلَو كره هَؤُلَاءِ الجاهلون قلبوا لَك ظهر الْمِجَن ورموك بالإفك ليسوقوا لَك المحن ويخلوا من فضلك ربع الوطن فمددت لإسعافك ساعدا أقوى من الْحَدِيد وأخرجتك من بَينهم رغما عَن انف كل جَبَّار عنيد ورميت حسادك بِسَهْم من سهم القهار وصلت عَلَيْهِم بِسيف قد سل من سطوة الْجَبَّار فذاق فريق مِنْهُم عَذَاب الْهون وارصدت للآخرين ﴿وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ﴾ ثمَّ اصطنعتك لنَفْسي فَمَا أثمرت من ثَمَر إِلَّا وَهُوَ من غرسي فبنعمة رَبك حدث فخلب لبي لطيف كَلَامهَا واتقدت فِيهِ جذوة غرامها وَقلت (مَا بعد جلق للغرام مرام ... وَغَيرهَا وَطن عَليّ حرَام) (لَكِن هِيَ الأقدار تفعل مَا تشا ... صبرا جميلا وَالْكَلَام كَلَام) لبيْك يَا ليلى الْجمال وَيَا سلمى المحاسن أَنا الخاضع لما تأمرين مَا دمت عبد الْقَادِر

1 / 2

ودعيت بِابْن بدران أَنا الهائم فِي إِظْهَار صفاتك الْمُقِيم على محبتك ماكر الجديدان فَقَالَت انك لتعلم هَذَا الْعَصْر الزَّاهِر وَمَا تجلى فِيهِ من الْعُلُوم وَترى مَسْلَك أبنائي وَكَيف يتهافتون على القشر ويتركون اللّبَاب نبذوا الْعلم ظهريا فضمه الغربيون إِلَيْهِم وَإِذا انتبهوا من رقدتهم وجدوا أنفسهم عَالَة عَلَيْهِم فَذكرهمْ بأيامي الْمَاضِيَة علهم يتذكرون وخاطبهم بِمَا كَانَ بِي من الْآثَار وَمَا انفق فِي رياضي على الْعلم من الدِّرْهَم وَالدِّينَار وأعلمهم بِمَا كَانَ بِي من الْمدَارِس وأنبئهم بِتِلْكَ الْمعَاهد الدوارس وَذكرهمْ فان الذكرى تَنْفَع أولي الْأَلْبَاب فلعلهم يَجدونَ ويجتهدون ويتركون التفاخر بالماضي وَقل لشيخهم خل كَانَ ولناشئتهم اترك أَنا ابْن فلَان فان الْمَرْء ابْن تَحْصِيله وشرفه علمه وحكمته (فمثلك من يدعى لكل عَظِيمَة ... ومثلي من يفدى بِكُل مسود) فطوينا بعد الْوَعْد بإجابة الطّلب الْأَحَادِيث وَقلت إِن لم يَفِ الْمُحب لمحبوبه بِمَا أَمر اسْتحق الهجر فِي شرع المحبين وطفقت اقلب الطّرف فِي أسفار المؤرخين وأتطلب مَا كَانَ من أَحَادِيث الماضين وأطوف لرؤية الْمعَاهد والْآثَار الَّتِي بقيت فِي تِلْكَ الدَّار مِمَّا نبا عَنهُ سيف الْقدَم وصبر على طُلُوع الشَّمْس وَالْقَمَر فأرسم مَا اهْتَدَى إِلَيْهِ على صفحات هَذَا السّفر الَّذِي هُوَ قسم من الْأَسْفَار الثَّلَاثَة لتاريخ دمشق وخصصته باسم منادمة الأطلال ومسامرة الخيال ليطابق اسْمه مَعْنَاهُ ثمَّ إِنَّنِي سلكت فِيهِ مسلكا وَهُوَ إِنَّنِي إِذا ذكرت مدرسة أَو آثرا مَا احافظ على تَرْجَمَة منشئه وَلَا أتعرض لتراجم المدرسين فِي الْمدَارِس كَمَا فعله الْعَلامَة عبد الْقَادِر النعيمي فِي كِتَابه تحفة الطَّالِب والدارس لَان الْمدرس إِن كَانَ من الْمَشَاهِير فَمحل تَرْجَمته السّفر الثَّالِث من هَذَا التَّارِيخ وان كَانَ من غَيرهم فَلَيْسَ من شَرط كتابي ان اذكره وايضا انني جعلت هَذَا السّفر اقساما اولها لمدارس الْقُرْآن الْكَرِيم وَثَانِيها للمدارس المختصة بِالْحَدِيثِ وللمشتركة بَينه وَبَين تَعْلِيم الْقُرْآن الْعَظِيم وَثَالِثهَا للمدارس الَّتِي اسست للعلوم الْفِقْهِيَّة والادبية وَهَذَا الْقسم اربعة ابواب اولها لمدارس الْحَنَفِيَّة وَثَانِيها لمدارس الْمَالِكِيَّة

1 / 3

وَثَالِثهَا لمدارس الشَّافِعِيَّة وَرَابِعهَا لمدارس الْحَنَابِلَة وَلَيْسَ الْقَصْد من هَذَا التَّرْتِيب على حسب التَّقَدُّم فِي الزَّمن والوجود وَلَو اشتهرت مدارس للظاهرية اَوْ للزيديه اَوْ لغَيرهم لم تجدني متقاعسا عَن اعطائهم حَقهم فِي التَّرْجَمَة وَرَابِعهَا لمدارس الطِّبّ وَالْحكمَة وخامسها لزوايا الْعِبَادَة وخوانق الصُّوفِيَّة وسادسها للآثار الَّتِي ظَهرت فِي هَذَا الْعَصْر وكل هَذِه الاقسام مرتبَة على حُرُوف المعجم ليسهل الْكَشْف عَنْهَا وسابعها للمساجد فَمَا كَانَ مَشْهُورا مِنْهَا اعطيته من حَقه مَا اتَّصل بِي من تَرْجَمته وَمَا كَانَ مِنْهَا صَغِيرا اَوْ مندرسا اكتفيت باسمه وختمت الْكتاب بخاتمة لبَيَان مَا كَانَ فِي دمشق من المتنزهات الشهيرة وَهَذَا اول الْمَقْصُود وَبِاللَّهِ تَعَالَى استعين وَعَلِيهِ اتوكل

1 / 4

الْقسم الاول فِي دور الْقُرْآن الْكَرِيم دَار الْقُرْآن الخيضرية هَذِه الدَّار لم تزل إِلَى الْآن على رونقها وبهائها ومحلها كَمَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب وإرشاد الدارس للفاضل عبد الْقَادِر النعيمي شمَالي دَار الحَدِيث السكرية بالقصاعين اهـ وَقد صحف النَّاس الْيَوْم اسْمهَا فَقَالُوا لَهَا الخضيرية نقلوا الْيَاء الْمُثَنَّاة من بَين الْخَاء وَالضَّاد المعجمتين إِلَى مَا بعد الضَّاد ومحلتها الْآن تعرف بالخضيرية وَهِي مَعْرُوفَة مَشْهُورَة فِي زمننا تُقَام فِيهَا الصَّلَوَات الْخمس ويتعاهدها فِي بعض اللَّيَالِي وَبعد صَلَاة الْفجْر جمَاعَة من المتصوفة الشاذلية الفاسية فيقيمون بهَا الْأَذْكَار ويقرؤون الأوراد وَفِي رَمَضَان يقْرَأ صَحِيح البُخَارِيّ وبعضا من الْكتب أستاذهم فِي زمننا الْعَالم الأديب الْكَاتِب الشَّاعِر الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْمُبَارك وَأما نعتها فَإِنَّهَا وَاقعَة فِي الْجَانِب الشَّرْقِي من الزقاق الْمُسَمّى بالخضيرية بِالتَّصْغِيرِ ويصعد إِلَيْهَا بمرقاتين وجدارها الغربي مَبْنِيّ بِالْحجرِ الأبلق وَتَحْته سِقَايَة وَفِيه الْبَاب وقنطرته من الْحجر الأبلق أَيْضا وَهُوَ متين وَفِي وَسطه صحيفَة من النّحاس مستديرة وَقد رسم عَلَيْهَا مَا صورته رسم بَاب الْمدرسَة الَّتِي أَمر بإنشاء بَابهَا الْأَمِير العالي المولوي القاضوي القطبي ابْن الخيضري قَاضِي الْقُضَاة اسبغ الله عَلَيْهِ ظلاله مِمَّا عمل وَتَحْت هَذِه الصَّحِيفَة شبكة من النّحاس قَائِمَة على هَيْئَة مثلث زاويتها الْعليا تسامت قطب دَائِرَة الصَّحِيفَة وَهَذَا الْوَضع على هندسة لَطِيفَة جدا فَإِذا دَخلهَا الدَّاخِل وخلص من دهليز لَهَا قصير رأى بركَة مَاء للْوُضُوء فِي وَسطهَا وَفِي الْجِدَار القبلي محراب وَفِي الْجِهَة الغربية شباكان مطلان على الطَّرِيق وبجانبهما حجرَة وَاسِعَة وبالجانب الشَّرْقِي حجرتان تَحت إِحْدَاهمَا خلْوَة وبجانبهما خلْوَة أَيْضا

1 / 5

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.