ملوک الطوائف او د اسلام تاریخ ته بېلابېلې خیالونه
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
ژانرونه
ولكن حدث أن العرب ثاروا على البربر وتحمسوا لقتالهم وأعملوا فيهم سيوفهم. وحاول «أبو النصر» نفسه الفرار - طلبا للنجاة - فتردى في هوة عميقة، إذ بينما كان يتسلق السور زلت به قدمه فهلك. •••
وقد أحدث الاستيلاء على رندة وحدها في نفس المعتضد سرورا عظيما، فبادر إلى تحصينها، وجعلها أقوى منعة مما كانت عليه. ولما تم له ما أراد من تحصينها، وذهب بنفسه لمعاينتها تملكته نشوة سرور وارتياح جعلته ينظم فيها شعرا مضمونه: «أنت الآن قد بلغت في التحصين الغاية، ولا شك أنك قد صرت أثمن درة في تاج المملكة، وقد استولى عليك جنودي البواسل بأسنة الرماح، وظبا السيوف.»
الفصل السابع
في الوقت الذي كان فيه المعتضد ثملا بنشوة انتصاراته، عاكفا على شهواته ولذاته، كان باديس حليف هموم وأحزان، حتى لقد بلغ به الحزن أن شق ثيابه - حين اتصلت به أنباء النكبة التي حلت بالبربر - أخذ يصيح صيحات الغضب، ويزمجر زمجرة الرعد، وقد استولى عليه الهياج والقلق والاضطراب، وتملكه شعور أسود جعل الدنيا تظلم في عينيه، وقد وقر في نفسه أن عامة العرب برندة تحركوا للثورة بدافع الجنسية والوطن، وقاموا قومة رجل واحد للقضاء على منافسيهم من البربر. •••
ومن الذي يستطيع أن يدخل في روعه أن أتباعه من العرب لم يدخلوا في حلف مع بني عباد، وأنهم لم يأتمروا به وبعرشه؟ لقد شغلت هذه الفكرة باله، وكانت لا تفارقه ليل نهار، ويقال إنه كانت تعتاده نوبة ذهول، ثم يهيج به هائج الغضب، إلى حد أنه كان يصيح صياحا شديدا، ويقسم ليبيدن كل عربي أقلته الغبراء، وأحيانا كانت تضطرم نفسه هلعا، وتذوب جزعا، وتفيض بالوساوس والأحلام والشكوك والأوهام، ثم يعود إلى حالته الأولى من السكون المبهم الغامض الأليم، وكأنما انقضت عليه صاعقة. •••
على أثر هذه الحالة النفسية العصبية أخذ يفكر في تدبير خطة مروعة رهيبة، وذلك أنه كان يدور بخلده أنه ما دام العرب مقيمين معه في داخل المملكة ومنبثين في الولايات التابعة له، فلن يتأتى له أن يطمئن على سلامة ملكه لحظة واحدة، فعول - في قليل من الحنكة السياسية وعدم التبصر في العواقب - على إبادة خضرائهم، واستئصال شأفتهم من المملكة، وعقد النية على أن ينفذ هذا الرأي الخطير عند اجتماعهم بالمسجد للصلاة من يوم الجمعة المقبل، وكان لا يبرم أمرا دون أن يستشير وزيره إسماعيل اليهودي، فلما صرح له بعزمه، وأفضى إليه بسره، وأعلمه أنه مصمم على تنفيذ خطته - رضي أم أبى - أظهر له الوزير شناعة هذه الخطة، ووخامة عاقبتها، وعمل جهده على أن يعدل الأمير عنها، وأشار عليه أن يتمهل في الأمر ريثما تنضج الفكرة، وأن ينظر فيما عساه أن ينجم عن هذا الرأي الخطير من النتائج، وكان مما قاله له: «لنسلم أن كل شيء سيتم على ما تريد وتهوى، ولنفرض أنك ستدرك غرضك بالقضاء على جميع العرب - بقطع النظر عما ينجم عن هذا العمل من الخطر - فهل يفوتك أن العرب في خارج المملكة لا يسكتون عن مصاب إخوانهم وما يحل بزملائهم؟ وهل يدور بخلدك أنهم يلبثون ساكنين في أماكنهم، وأنهم لا يتحركون لنجدة أبناء جنسهم؟ كلا، إني أؤكد لك أنهم يسارعون إليك بدافع الغضب الشديد، والعصبية القومية، ويتدافعون إلى بلادك تدافع الأمواج الهائجة المضطربة، ولا يلقون السلاح أو يعلو السيف رأسك.» •••
ومع مشاكلة هذا الكلام للصواب، ومطابقته للواقع، فإنه لم يؤثر في نفس باديس ولم يصرفه عن رأيه، وأخذ على إسماعيل عهدا بأن يكون ما دار بينهما من الحديث سرا مكتتما، وأصدر أمره بأخذ الأهبة والاستعداد لما يجب عمله يوم الجمعة.
وقضي الأمر، وكان جميع الجند بأسلحتهم المختلفة أمام المسجد يوم الجمعة على هيئة عرض عام للجيش، ولم يقف إسماعيل حيال هذا الأمر موقف الخمول، بل كان قد دس نسوة إلى زعماء العرب عملن على تفريقهم، ونصحن لهم بعدم الاجتماع للصلاة يوم الجمعة ، وأن يختفوا عن الأنظار في هذا اليوم فلا يبدو لهم أثر، فعملوا بنصيحتهن وأخذوا حذرهم، ولم يحضر المسجد في ذلك اليوم سوى نفر يسير من العرب ممن لا خطر لهم مع عامة الشعب، وتحقق باديس فشل خطته، فكاد يتميز من الغيظ وأرسل في طلب إسماعيل، وأخذ يلومه على إذاعة السر الذي أفضى به إليه، فقال: «إن امتناع العرب عن الحضور لصلاة الجمعة لم يكن لسر مذاع، وتفسير هذا الامتناع من جانبهم ظاهر، فإن القوم رأوا أنك حشدت جندك بلا سبب موجب في وقت لم يكن فيه بينك وبين جيرانك حرب، فلم يشكوا في أنك إنما تقصدهم بالسوء، فعوضا من أن تغضب وتندم يجب أن تحمد الله (تعالى) على هذه العاقبة الحميدة، فلو أن العرب وقفوا على ما كنت تبيته لهم - من الشر والوقيعة - لثاروا واضطرب بسببهم حبل الأمن، أفلا يسرك أنك تراهم الآن ساكنين هادئين؟ فترو في الأمر قليلا، وسيجيء الوقت الذي تحمد فيه رأيي الذي أطلعتك عليه.» •••
وربما كان باديس وقد غاب عنه وجه الصواب غير مقتنع بصحة ما ذهب إليه وزيره، ولكنه حين جاء أحد شيوخ البربر وأيد إسماعيل في الرأي اقتنع أخيرا، واعترف في النهاية بأنه كان مخطئا، ولم يعد يفكر في ملاشاة العنصر العربي من رعاياه، إلا أنه حين رأي فلول البربر الآتين من بني مرين وأركش وشريش ورندة قد لجئوا إلى غرناطة وجاءوا يلتمسون لهم فيها مأوى، اعتزم أن ينتقم من عدوه، ويغزو بجيشه والمهاجرين ولايات إشبيلية.» •••
وليس عندنا تفصيلات عن هذه الموقعة الحربية، ولكن الدلائل تدل على أنها كانت حربا دموية؛ لأن البربر كانوا موتورين يلتهبون حماسة للانتقام لأبناء جنسهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العرب كانت كراهتهم لبربر غرناطة أكثر من كراهتهم لسائر البربر، إذ كانوا يعدونهم من الرافضة أعداء الدين، لسكوتهم على أن يكون بين وزراء المملكة رجل يهودي، ويقول بعض شعراء إشبيلية الذين كانوا يشيدون بانتصارات المعتضد ما معناه: «لقد أعملت سيفك في رقاب شعب من البربر ينتحلون اسم الإسلام، ولا يؤمنون بغير اليهودية.»
ناپیژندل شوی مخ