وقتها مررت من تحت النار، بعجلة دون أن ألتف للخلف. أنا أكرهها. فاحت مني رائحة المر، الأقحوان، وشقائق النعمان، والمرمرية الجبلية، أنا أشبه رائحة الخشب العتيق.
هذه الرائحة تذكرني برائحة أبواب القدس القديمة؛ وقتها تذكرت زيارتي للقدس في المرة الوحيدة، ورغم أني مسيحي صليت تحت الصخرة المعلقة، لأن الرحلة كانت مع أصدقائي المسلمين في المدرسة. الجميع صلوا تحتها، وأنا قلدتهم.
أصدقائي اشتروا من شوارع القدس التماثيل الخشبية على أشكال الجمال، أنا وحدي الذي سرقت قطعة خشبية خضراء من أحد أبواب القدس، رائحتها لم تغادر أنفي طوال حياتي. وحين عدت إلى البيت، أعطيت قطعة الخشب لأبي؛ أخذها وأخفاها بين دفاتره المقدسة. «يبدو أن مشهد الولادة لم يكن جديدا علي أيها الكاتب.»
جاء وقت الاستجمام، أنتظره بفارغ الصبر، بعد كل هذا. اقترح بعد إذنك فندق المتحف على شاطئ بحر غزة؛ به آثار كل شوارع غزة. صاحب الفندق كان يجمع كل قطعة بنية أثرية من وراء الحفر في شوارعنا. المتحف مكتظ باللون البني وأشكال الطين، جميل لو ارتحت هناك.
وأنا أردد تخيلي لوقت الاستجمام جاء الكاتب يرتدي ثوبا أسود، كأنه حانوتي. هز برأسه لألحق به، أخذني لمقبرة الجنود الإنجليز المسيحيين، وهذه المقبرة موجودة في وسط قطاع غزة. كدت أعترض على هذا المكان، لكن خفت من الصفعة الثانية.
أخذت جولة بين القبور، والشيء الغريب الذي أراه على شواهد القبور أنه مكتوب عليها مات عن عمر يناهز «ناقص 60»، «ناقص 100»، «ناقص 10»، «ناقص 13». ما هذا العمر الجديد؟ وقعت أمامي ورقة مكتوب بها أن أعمار الناس في هذه المقبرة تحسب باحتياجك للأفكار. الجميع هناك ماتوا وتنقصهم الأفكار ليصلوا لمرتبة الأنبياء، وحدهم الأنبياء من يوضع على قبرهم «لا شيء». عزيزي ميشيل، أن تكبر بالعمر هو شيء إجباري، أما أن تكبر بالعقل فهو شيء اختياري.
البعض رغم صغر سنه يفاجئك بنضجه وأسلوبه، والبعض الآخر رغم كبر سنه، يناقشك فيصدمك بصغر عقله.
الشيء المغري؛ في هذا المكان وجدت رجلا يحفر قبرا جديدا، رغم أن هذه المقبرة مغلقة تماما، ومكتوب عليها للسياحة، ليس للدفن.
سألت الرجل: لمن هذا القبر؟ - جاء غريب وطلب مني حفر قبر بالقرب من الشارع. قال لي: إنه سوف يموت شخص يشبه الأنبياء؛ طري، ببشرة بيضاء. سيكتب على قبره «المسيحي الأخير، ناقص صفر». - من هذا الغريب؟ وما هي أوصافه؟ (حين سرد لي أوصاف الغريب، كانت تشبه لحد كبير الكاتب. قلت في نفسي: سأموت في آخر الرواية، لكن لا خوف أنا مجرد بطل على ورق.)
صرخت بصوت عال؛ لعل الكاتب يسمعني. سوف أقول لك معلومة، لا يدري المرء إن نام من الذي سيوقظه؛ أهله أم الملكان لسؤاله. فاللهم أحسن خاتمتي في هذه الرواية واصرف عني ميتة بطل الورق.
ناپیژندل شوی مخ