صفعني بقوة، كاد رأسي يرتطم بالأرض. عرفت وقتها أنه لو الغاية من زراعته طرد الشيطان لن يأتي. كلمة «غاية» كانت صعبة جدا أن أفهمها وأنا أولد من جديد.
وقفت أمام وعاء كبير مليء بالماء، كنت عطشانا، دنوت لأشرب، كان مالحا؛ إنه ماء بحر. وهنا أيها الكاتب ما تفسيرك أنك تريدني أن أغتسل بماء البحر؟!
رد: البحر خلص سيدنا داود من دود الأرض، البحر من أعاد لزوجته شعرها، البحر وحده من يعيد لك أولادك الغائبين. والله اختارنا في غزة بالقرب من البحر لأننا من سيربح، سنصبر كصبر داود وسينهش القهر عظامنا، وفي النهاية ستمتلئ جيوبنا بالأسماء، وتتحول أكتافنا سفنا كبيرة.
قلت له: رغم كل الماء العذب الذي تصبه السماء في البحر إلا أنه يبقى مالحا! فلا ترهق نفسك، البعض لا يتغيرون مهما حاولت.
بعد أن خرجت من ماء البحر، جاء بالكلس الأبيض وصار يكومه علي، كان سريعا جدا، بعد لحظات صرت ككومة بيضاء كبيرة. أنا أشبه لحد كبير البيضة الكبيرة.
الاعتقاد أن أصل الحياة البيضة وليس الديك. حتى حين اختار الله آدم ليكون على الأرض، «كانت فكرة» والفكرة شيء مدور مثل البيضة. وحده الشر الذي لا يأتي من البيضة على هذه الأرض.
كأني محاصر من الكلس، وكلما مر الوقت عليه يصبح يابسا؛ أنا أفقد الحركة، أفقد التنفس، أرجوك خلصني من هذا البياض. وقتها جاء بمطرقة كبيرة، وكسر القشرة؛ بدأ النور يدخل علي، أنا الآن أخرج من البيضة. إننا نعتقد أن الدين أبيض، أن السفر أبيض، أن الحب أبيض، لكن هناك وقت نعذب باللون الأبيض.
أنا لا أنطق الكلام جيدا، أين نصف لساني؟ لماذا أخذته؟ كيف أكمل رحلتي دونه؟ عرفت الآن لماذا أخذت نصف لساني؛ إن أغلب كلام البشر من السماء، والكلام المقدس في حياتنا، هذا الكلام الذي سوف يقتلنا لأننا نقول ونمضي طوال حياتنا ونحن نردده على كل الأجيال، لكن نردد على مسامعهم ليموتوا. قد يندم الإنسان على الكلام، ولكنه لا يندم أبدا على السكوت. لو كل رجال الدين يصمتون لعشنا دون حدود، لعشنا في قرية كبيرة اسمها الأرض.
أرجوك أبعد هذه النار عني؛ أنا لا أحب فكرة الحرارة، أنا تعودت أن أستحم بماء بارد أو عادي في وقت الشتاء. المهم أنا أكره الشمس الحارقة.
الحرارة يا ميشيل هي أثيرك الداخلي؛ إذا أردت أن تعرف أنك جيد على هذه الأرض، فلا بد أن تمر من تحت النار أو تكون النار تحت. لم تسمع كلمات القصيدة «تقدموا» (للشاعر سميح القاسم ): «تقدموا ، السماء من فوقكم جهنم، والأرض من تحتكم جهنم. أنت لا تعلم، لا تفوح رائحة الكعك الزكية إلا حين تمسها حرارة الفرن. كذلك أحلامنا لن تنضج ما لم تمسها قسوة التجارب.»
ناپیژندل شوی مخ