لم أرد عليه ولم أرفض، خوفا من كلمة مقدسة، هذه الكلمة التي تلاحقنا منذ ولادتنا؛ رضاعة مقدسة، ملابس مقدسة، شوارع مقدسة، أيام مقدسة، نساء مقدسة، عصير مقدس، لحم مقدس. كأن المولود على هذه الأرض يولد نكرة أو فاسدا، وأصحاب اللحى الطويلة يريدون تقديسه.
في الليل نمت تسع ساعات كأني في رحم أمي، لا أذكر أي حلم في تلك الساعات، لم أسمع سوى شخير الدم في عروقي، كأنها تتفتح، وكرات دمي الحمراء نشيطة في نقل الأوكسجين. الذي أذكره في الساعة الأخيرة شعرت بوجع خفيف في عظام جمجمتي العلوية، حين فتحت عيني وجدت قدمي معلقة على السرير ورأسي على الأرض. مشهد من مشاهد الولادة التي رأيتها كثيرا، لكن الآن أنا المولود. ما هذا السائل الذي يبلل ملابسي؟ كأنه خليط من العرق والمني برائحة العنب.
ركضت دون توقف، لم أنظف ما تركت ورائي من بقايا النوم، والسائل ما زال عالقا في ثغرات جلدي .
كلما مررت على أناس وأنا أركض، يحملقون بي ولا يرمشون، كأن على رأسهم الطير. لم أنتبه لنفسي أني عار جدا، فقط على رأسي قبعة حمراء.
وصلت في الميعاد الذي حدده، صفق لي وانحنى ترحيبا بي، تخيلت أني عظيم. هززت برأسي له، أمسك بيدي وسحبني كخروف العيد.
المكان يشبه ثقوب وخلايا النمل، مرعب كل ما حولك. شعرت أني فريسة للنمل؛ مثلي أبيض طري، سيلتهمني النمل بسرعة دون رحمة.
كلما أسأله سؤالا كان يعطيني ورقة معتقة قديمة صفراء اللون، تشعر أنها من بقايا تاريخ مر علينا.
لماذا اخترت مكان الولادة خلية نمل؟ مد ورقة ناحيتي، مكتوب فيها؛ النمل هذا المخلوق الصغير جدا، هو أول مخلوق علم البشر المقاومة وعدم الخوف، إن قصة سيدنا سليمان مع النمل تؤكد ذلك. هل تعلم أن النمل مخلوق من زجاج؟ لكلمة «لا يحطمنكم سليمان وجنوده». وفي آخر الورقة، ما زال النمل من زجاج، فلا بد أن تكون مشاهدة النمل للناس تختلف عما نتوقع، وأنا أتوقع أن تكون هناك عدسات في عيون النمل تصغر الأشياء؛ وهذا سبب منطقي لعدم خوف النمل من البشر. لو كنت في ريب مما ذكر، حاول أن تقترب من خلية النمل؛ سيهجم عليك ويقرصك.
رائحة النعناع تفوح في المكان. أيضا مرر علي معلومة جديدة؛ إن البعوض لا يحضر لمكان مزروع به النعناع، والشيطان يأتي للبشر ليمتص أفكارهم ويلوثها ثم يدفعها داخل رءوسهم. الشيطان أيضا مثل البعوضة يخاف من رائحة النعناع.
قلت في سري: كل المنازل والبيوت والمستشفيات والشوارع مزروع بها النعناع، فكيف يأتي الشيطان في غزة؟
ناپیژندل شوی مخ